الفعل الثقافي العراقي، في مقابل الديني والسياسي، ميت او مشلول في احسن الاحوال. كشف الخراب المنظم لسلطة الأحزاب الفاشية التي اعقبتها سلطة الأحزاب الإسلاموية الطائفية، على مدى نصف قرن تقريبا، أن المثقف العراقي اما رفع الراية البيضاء او انه انخرط في الطاعة الجماعية متنازلا عن دوره الذي هو في الأساس عقله.
أتوقع طبعا وجود حيرة عند القارئ بمعنى المثقف. لا بأس ، حارت به شعوب قبلنا وتفلسف في معناه الكثير. لا يهمني ان سمّى فلان نفسه مثقفا او أسقط التسمية عن غيره لان حمله ليس شرفا بحد ذاته وفقدانه لا يشكل مثلمة في الشرف أيضا. المثقف ليس اسما بل دور طوعي. ولا ادعي أيضا أنى سأسهل او أبسّط المعنى، لكني على الأقل سأستنجد، ولعلي انجح او لا انجح، بتعريف اجرائي للمثقف اقترحه المفكر إدوارد سعيد:
"المثقف فرد يتمتع بموهبة خاصة تمكنه من حمل رسالة ما، او تمثيل وجهة نظر ما، أو موقف ما، أو فلسفة ما، أو رأي ما، وتجسيد ذلك والافصاح عنه الى مجتمع ما وتمثيل ذلك باسم هذا المجتمع. وهذا الدور لا يمكن للمثقف أداؤه الا إذا أحسّ بأنه شخص عليه ان يقوم علنا بطرح أسئلة محرجة وان يعارض ما اتفِق على انه صواب، وان يكون فردا يصعب على الحكومات او الشركات ان تستقطبه". لاحظوا انه لم يشترط به ان يكون شاعرا جيدا او رساما او روائيا او عازف عود مثلا.
أما الفرنسي جوليان باندا فيذهب الى ابعد من ذلك اذ يرى ان المثقف يجب أن يكون معارضا للوضع الراهن دائما وأبدا، وثائرا لا يرى ان ثمة سلطة دنيوية أكبر وأقوى من أن ينتقدها ويوجه اللوم اليها. وعندما يصل الى تعريف المثقف الحقيقي فانه يفترض فيه الاستعداد لأن يحرق علنا او ان ينبذ من المجتمع دائما. انه قليل الأصدقاء وغير مرحب به على موائد المنعمين والمترفين والسراق والأميين.
ليس مثقفا بالمرة من يسعى للبطولة العامة في هذا الزمن المرتبك. ان من يجهد نفسه ويستقتل من اجل ان يصبح قائدا او منظما او متحدثا باسم قضية او رئيس او حركة، فهو بحسب، إدوارد سعيد ابعد الناس عن صفة مثقف. لماذا؟ لان المثقف ليس من يسعى الى جعل جمهوره يشعر بالرضى والارتياح، فالمقصد الحقيقي هو إثارة الحرج والمعارضة، بل والاستياء.
وضعت هذه المقدمة كمعيار سأستند اليه في قادم ما اكتب لأني، ولا أخفى عليكم، ناوٍ الضغط بإصبعي على دنبلة فساد المثقفين الذين استغلوا استفحال تأثير الرأي الطائفي العام على الناس ليبيعوا "حلاوتهم" الثقافية بقدر مثقوب.
فساد المثقفين .. مقدمة
[post-views]
نشر في: 14 سبتمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
بغداد
يا استاذ هاشم هكذا ولاعة كنا ننتظرها من مثقف جريئ يمتلك موهبة الضغط على أزرار الممنوعات من الكلام فيفجرها او على الدنبل فيخرج صديدها ( يعني الفضايح اللي أخفوها أشباه المثقفين المدفوع لهم من أموال الحرام أموال فقراء الشعب العراقي ) .... ايبااااااخ شلون مق