من طبيعة الحرب، أية حرب، انها تخلق مناخات خصبة للفساد الثقافي. كانت حربنا مع إيران قد وفرت اول فرصة سانحة لعديمي المواهب الأدبية والثقافية ليظهروا على العلن. لعبت "المكرمات" والعطايا دروا أساسيا في خروج هؤلاء من الجحور. للأمانة كانت حقبة السبعينات عصية على مثل هؤلاء ان يتسللوا بسهولة لتصدر المشهد الثقافي والأدبي بالعراق. فبعد ان كان الموهوبون من الشعراء والمثقفين وعموم الفانين والادباء يسهل عدهم، لندرتهم، وهم بالضرورة يجب ان يكونوا نادرين، صار عدد الشعراء الشعبيين، كمثال، لا تكفيهم لوريات لنقلهم صوب بغداد من المحافظات. الامر كذلك يشمل الإعلاميين وشعراء الفصحى ومدعي الثقافة ولو بشكل اقل من "ظاهرة" الشعبيين.
ثم جاء الحصار اللا انساني فلعب قانون "الحاجة ام الاختراع" لعبته. صار عدد المحسوبين على الفعل الثقافي عصيا على العد. كملت السبحة بعد السقوط بمجيء الطائفية لتتسيد كل المواقف. تصوروا فقط ان عدد الصحفيين المسجلين في النقابة اليوم يفوق عددهم في مصر التي نفوسها ثلاثة اضعاف نفوس العراق. وربما يفوق عدد صحفي الدول العربية مجتمعة. صار أي حديث عن ضرورة اعتماد مبدأ النوع او الموهبة يواجه باتهام قطع الارزاق. أي فساد أتعس من هذا؟
تسلط عديمي الموهبة على واقع الاعلام والثقافة والأدب والفن بكل اشكاله جعل أغلب، ان لم اقل كل، المؤسسات المعنية بشؤون الادب والفن يرأسها أصحاب الولاء الطائفي والعائلي والعشائري والمناطقي وليس المواهب. الأول الطائفي طبعا هو الأول والأهم. مروا عليها من نقابة الصحفيين الى جمعية الشعراء الشعبيين، وما بينهما، وآتوني باسم رئيس او نقيب موهوب او مرموق.
نعم تتحمل الدولة على مدى سنين قسطا من هذا الفساد القاتل. لكن ذلك لا يعفي النخبة المثقفة من المسؤولية. هؤلاء الذين تسيدوا المشهد الثقافي والإعلامي بالعراق استفادوا من سياسة "غض الطرف" او المحاباة لهذا وذاك.
سكوت الصحفيين على تولي عدي بن صدام رئاستهم قد نجد لهم فيه أكثر من مبرر. لكن بعد ان أزاحت أميركا صدام وابنه، أرى كل سكوت على سيطرة الاميين وعديم الموهبة على مرافق الحياة الثقافية ما هو الا مداراة لخبزة العيش او ضمان حق التقاعد وقطعة الأرض ودستة الرواتب المتراكمة: فساد.
وهناك فساد آخر ارتكبه ويرتكبه من صار او اقترب من درجة النجومية حتى وان كانت زائفة، وذلك بفضل برامج الفضائيات ومسلسلاتها. صار هاجس هؤلاء الأول هو البحث عن حياة اجتماعية مرفهة قوامها الموائد العامرة ذات خدمات النجوم المرتفعة التي يوفرها عديمو المواهب من كل الأصناف. من اجل هذا الهدف الهابط بكل المعايير، صاروا يربون "قططا" توفر لهم "متطلبات" ناعمة وأخرى خشنة عند الطلب. عن هذه البزازين الثقافية ، والتي تحلم ان تصير عتاويَ فيما بعد وربما صارت، لي حديث قادم.
فساد المثقفين .. عديمي الموهبة
[post-views]
نشر في: 15 سبتمبر, 2015: 09:01 م