4-5
في العمود السابق تحدثت عن السياسيين الذين يتبوأون المناصب وهم لا يفهمون شيئاً منها، وأخذت مثلاً على وزير المالية الألماني وتصريحاته التي تدعو لإخراج اليونان من الاتحاد الأوروبي، ولا تهم شعبيته التي هي في تزايد بين مواطنيه الألمان لهذه الدعوات فقط، وكيف أن ذلك لا يعني سياسة صائبة. لأن السياسة الجيدة هي ليست ببساطة الغرف من النزعة القومية الجاهلة للناخبين. السيد شويبلة يستعرض نفسه بأنه الداهية الاقتصادي السوبرمان، لكن جمله "المسمومة" باتجاه اليونان تدفع تكاليف الانقاذ الأوروبي دائماً إلى الأعلى. الكارثة أنه يتحدث دائماً عن خروج اليونان من أوروبا، النتيجة: ابتعاد المستثمرين عن اليونان، السياح يختاورن بلداً آخراً، تخريب الاقتصاد، العطالة وهروب الرأسمال. بكلمة واحدة: هاغننا يرسل الملايين من الشباب إلى الخراب، دون إطلاق طلقة واحدة. المفارقة هنا هي، أن هاغن الألماني الجديد أسوأ من نموذحه التاريخي، لأن الأخير كان يعرف أن الكارثة قادمة، التي سيمر بها شعبه، إلى درجة أنه يخبر شعبه أنهم سينقرضون. هاغن فون يعرف بأنه ينتهي مع مواطنيه إلى الهاوية، وهو يقودهم باسم الفخر والشرف إلى الدمار. من عربة معركته المتحركة يحرك هاغن شويبله مصير اليونان عن طريق تصريحاته، يجعل الاقتصاد ينكمش، لدرجة نشوء عجز جديد في الميزانية، في النهاية على أوروبا تسديده. اليوم وصل به عناده أنه يريد تجريد الهيئة الاستشارية الأوروبية لشؤون المال من سلطاتها. أليس كل ذلك دليل على أن الرجل لا يفهم في أمور المال، عليه أن يتنحى قبل وقوع الكارثة؟
ملحمة بطولية هنا ... ملحمة بطولية هناك. ماذا قال غاليلو غاليلي عن طريق توأمه برتولد بريشت: "تعيسة هي البلاد التي تحتاج إلى أبطال". لننس كل الأبطال، كل الهاجنيين والسغفريديين، القدماء والجدد. لا نحتاج أبطالاً، لا نحتاج محاربين جسورين يقودونا إلى تهلكة الموت المؤكد. أو نريد ذلك؟ أعني، عالماً، دائماً فيه الناس: مشردون، وآخرون هم هناك، مقيمون، يملكون ويحتلون، وما يملكونه يدافعون عنه بأي ثمن "هل نريد عالماً، فيه ناس لا يملكون أي أمل، يتشردون فيذهبون إلى الحرب؟" "هكذا عاش في النهاية"، كتب ذات مرة هارب مشرد (جيورج بوشنير) عن هارب مشرد آخر (لينتز)، والذي رأى الكارثة وهو شاب مبكراً أمام عينيه ولذلك نادى بـ "السلام للأكواخ والحرب على القصور". نداؤه هذا أجبره على الهرب، مات في النهاية في منفاه زيوريخ.
الإنذار ما يزال ساري المفعول إلى اليوم. الهاوية ليست بعيدة عنا. لا يستطيع المرء أن يتجنب السؤال، إلى أي فريق ينتمي. إذا سألتموني، أيها الضيوف الأعزاء، ايها الأصدقاء، إلى أي فريق أنتمي، عليّ حينها أن اقول لكم، بأنني أنتمي إلى أولئك، الذين هم في حالة هروب، إلى المشردين الذين بلا وطن، المطردوين، المنفيين والمبعدين. لم نذهب بإرادتنا. لكننا باقون هنا بإرادتنا، نحن ذوات حية، نهز ضمائر البشرية كل يوم، ضمائر أولئك السعداء، الذين يعيشون بسلام بعيدين عن كل حرب وهرب، وحرب وجوع وبيع سلاح. نذكر بالحرب والرفاهية. بالغنيمة والاستغلال. الآن ستقولون لي، لكن كل هذا سبق وأن عشناه أيضاً هنا. هنا في المانيا. الحرب والبؤس والجوع والتشرد. نعم. صحيح. قبل 800 عام بالضبط مثلما قبل 70 عاماً. وماذا الآن؟
جوابي واضح جداً. ها انتم تروون، أين أقف، كيف أتكلم، كيف يبدو شكلي وإذا كان لابد وأن أنتمي إلى قبيلة، لكي تدركوا من أنا، إذن أنا: لا أسمر ولا أبيض، لا شيعي ولا سني، لا عراقي ولا ألماني، لا مؤمن ولا ملحد، لا أكاديمي ولا سائق تاكسي، لا يهودي ولا مسيحي. لأنني أنتمي إلى قبيلة الإنسان، تلك القبيلة التي هي منذ آبائنا القدماء جداً، الذين أُطلق عليهم حواء وآدم، والذين منذ أن وُجد الله والإنسان، وهم يعيشون مشردين. أليس هو تقدم للعالم، إذا كنا جميعاً فقط بشر ... لا غير؟
سياسيون يقودون إلى الكارثة
[post-views]
نشر في: 15 سبتمبر, 2015: 09:01 م