لايمكن لاي ولادة ان تكون طبيعية وسليمة اذا ما حدثت في صالة عمليات ملوثة، وكان الفريق الطبي غير حاذق. هذا باختصار حال الاصلاحات الحكومية التي اطلقها رئيس الوزراء مطلع آب الماضي، والتي بدأت عاصفة وانتهت بتحولها الى حزورة.
من شاهد جلسة البرلمان التي شهدت اقرار حزمة الاصلاحات الاولى بحضور 300 نائب، لا يصدق ان تجرؤ الكتل، فيما بعد، وتتراجع عن مواقفها المؤيدة للعبادي بعد ان ركبت الموجة وقامت، حينها، بمطالبته بتسريع وتيرة اصلاحاته وليس ايقافها.
الان وقد خرجت الاصلاحات من "اربعينها"، بدأنا نسمع اصوات المعارضين تتعالى بخجل ثم ما لبثت ان تحولت الى دعوات للاطاحة بالعبادي نفسه تحت ذرائع واهية ومكرورة سمعناها خلال الاعوام الماضية حد الملل. الكتل السياسية التي فصلت وتفصل القوانين على مقاساتها الخاصة، وبما يخدم مصالحها الفئوية، شهرت سلاح "الدستور" بوجه الاصلاحات، لكنها في الكواليس كانت تشهر سلاح "المحاصصة" بوصفها ضمانة لاستمرار احتكار تقاسم السلطة والثروة بيد اطراف سياسية معروفة باشتراكها في كل هذا الخراب.
تراوح تعاطي الكتل السياسية مع اصلاحات العبادي، التي لم تقترب من المطالب الحقيقية للمتظاهرين، بين التأييد الصامت وبين محاولة استخدامها للاطاحة بالخصوم. لكن وبعد فشل الكتل بتحقيق هذين الهدفين بدأت صفحة جديدة من خلال تشكيل "جبهة" من ضحايا اجراءات العبادي ومن يخشى ان يكون ضحية لاحقة، ونجحت هذه الجبهة غير المتجانسة باحتواء الاصلاحات وقطع الطريق امامها.
وفي مسعى لاثبات حسن نيتها، تنكر الكتل السياسية معارضتها للاصلاحات، مؤكدة انها تعترض على الانفراد بالقرار، وتتحدث عن استيائها من فريق "غامض" استقدمه العبادي لتشكيل غرفة عمليات تابعة له. وبكل بساطة تتناسى هذه الكتل التصويت الكرنفالي لممثليها في مجلسي الوزراء والنواب على حزم الاصلاحات قبل اكثر من شهر، وهي فترة غير كافية للرهان على ذاكرة المراقبين!
وتتجلى ازدواجية بعض الكتل السياسية بالتخلي عن رئيس الحكومة الذي دعمته بقوة وسوقته كـ"ايقونة" للتغيير، وتم التبشير به كبداية صفحة جديدة من الانفراج الداخلي والانفتاح الاقليمي اللذين سيفضيان لاخراج العراق من ازماته. انقلب الداعمون الى خصوم او مشاريع اعداء، وان كان الغضب، حاليا، يلتهب تحت الرماد فان الايام القادمة كفيلة بتأججه بشكل اوضح.
شكل "حوار الطرشان" الذي اتخذته موجة الاصلاحات، لا يتوقع له مصير افضل من هذا. ففي الوقت الذي يطالب الجمهور بمحاربة الفساد وترشيق الانفاق الحكومي، ويطالب الشركاء السياسيون الاطاحة بشركائهم ومنحهم حصة اكبر من كعكة السلطة، يفضل رئيس الحكومة الذهاب الى اصعب الخيارات كالغاء مناصب دستورية او دمج وزارات ببعضها وهو اجراء يحتاج لسنوات للفراغ منه.
البعض يرى ان انشغال العبادي بالاصلاحات الادارية خطوة واعية للتهرب من استحقاقات الملف الامني الذي يراوح مكانه من دون تقدم بعد اكثر من سنة على عودة الامريكان الى العراق تحت غطاء التحالف الدولي. يتساءل هذا البعض كيف لدولة وهي تشهد حربا ضروسا، مفتوحة على جميع الاحتمالات، أن لا تضع هذا الملف على رأس الاولويات، ولا تؤجل المهم ريثما تفرغ من الاهم؟.
بالمحصلة فان المناخ السياسي المسموم الذي ولدت فيه اصلاحات العبادي، اسهم بشكل واضح ومقصود بتشويه هذه الاجراءات، بنحو دفع البعض الى الحديث عن حاجة الاصلاح ذاته الى اصلاح آخر.
إصلاح بحاجة إلى إصلاح
[post-views]
نشر في: 20 سبتمبر, 2015: 09:01 م