* هو اسماعيل خليل أمين ، مسرحي من العراق ، تنقل بين سوريا ، وبيروت ، واليمن ، وبلغاريا ، والمانيا التي استقر بها وطنا بديلا وملاذا للحياة وللعلاج . انتهى المطاف به بعد حملة الهجرة الاولى للخلاص من الوطن الذي لا يوفر السلام . يقول اسماعيل : هناك لملمت
* هو اسماعيل خليل أمين ، مسرحي من العراق ، تنقل بين سوريا ، وبيروت ، واليمن ، وبلغاريا ، والمانيا التي استقر بها وطنا بديلا وملاذا للحياة وللعلاج . انتهى المطاف به بعد حملة الهجرة الاولى للخلاص من الوطن الذي لا يوفر السلام . يقول اسماعيل : هناك لملمت افكاري وقمت بالتعاون مع لطيف الحبيب باصدار كتاب يحمل عنوان ( المسرح المغيب ، شاهد على العصر ) . وفي العام 2001 عملت بمشاركة صالح كاظم وبكر رشيد على تأسيس اول مهرجان للمسرح العراقي في المنفى . ومن المانيا بالتحديد كانت الانطلاقة . وكنا نطمح ان نثبت لانفسنا ، بأننا فاعلون هنا في المنافي وبامكاننا ان نوصل صوتنا الى الوطن ونتواصل مع بغداد وفنانيها.
لكن التواصل مع بغداد وثقافة الداخل كان شبه مستحيل ان لم أقل معدوما ، رغم ذلك كان يحدوني امل في نقل تجربة الحداثة من المسرح العراقي لمنفاي ، عزاء او بديلا عن لوعة الفراق . وفعلا نقلت ما استطعت حمله من تجربة الى اليمن الجنوبي املا في تواصل التجربة التي بدأناها في بغداد . وانطلاقا من ان اسس الحضارة واحدة ، وقاسمها المشترك هو الانسان ، والوعي الانساني . ومن تجربة اليمن التي اصابت النجاح ، ما دعا الحكومة اليمنية ارسالي الى بلغاريا في دورة تدريبية عام 1987 كي أتخصص فيها بالاخراج وباشراف البروفيسور البلغاري ساشو اوستيانوف في معهد الدولة العالي للمسرح VTIS ، قدمت خلالها مسرحية ( عرس الدم ) للشاعر الاسباني : لوركا ، اطروحة لتخرجي وحصولي على الدبلوم العالي في الاخراج . عدت بعدها الى اليمن . ومنها وفي العام 1996غادرت الى المانيا وبالتحديد الى مدينة برلين . التي اخترتها بعد ان ضاق بي الحال في الوطن - العراق ، وكبر في داخلي الاعتقاد من ان في تغيير المكان والابتعاد أمل في حياة اكثر انفتاحا ، تسمح لطموحاتي ان تجد طريقها الى النور . يقول : الصدفة وحدها قادتني الى اليمن التي انشأت فيا مسرحا اطلق اليمنيون عليه مسرحا حديثا . شكلت في عدن ( فرقة مسرح أكتوبر ) اخرجت لها العديد من المسرحيات بدءا من مسرحية ( الملك هو الملك ) للكاتب سعد الله ونوس ، التي اعتبرها المعنيون انطلاقة جديدة للمسرح اليمني الجنوبي من حيث الحركة ، التشكيل الحركي ( الميزانسين ) ، الاضاءة ، اللون ، والتمثيل الذي قال عنه أحد النقاد : ( نحن نعرف هؤلاء الممثلين من قبل ، لكنا الان نعرفهم بشكل آخر مغاير وجديد ) . ورغم انها كانت تجربة مهمة ولكنها كانت صعبة – حسب اسماعيل – لكنها وضعت اللبنة الصحيحة الاولى في طريق المسرح اليمني . تبعتها تجارب اخرى لا تقل بذات الاهمية ، فكانت المسرحيات التي قدمها حسب تسلسلها ( الملك هو الملك ) للكاتب : سعد الله ونوس ، ( عبيدو ، والصراط ) للكاتب : توفيق اخلاصي ، ( الشهداء السبعة ) وهي حكاية يمنية كتبها العراقي هادي الخزاعي ، ( حصار بيروت ) للكاتب : شاكر لعيبي ، ( العودة المفاجئة ) للكاتب : مارتن أسلن ، ترجمة : سعدي يوسف . مسرحية ، ( الفيل يا ملك الزمان ) للكاتب : سعد الله ونوس . شاركت في مهرجان أيام قرطاج المسرحية 1991 . مسرحية ( ابو حيان التوحيدي ) للكاتب : قاسم محمد .
خاض اسماعيل خليل نوعين من الصراع ، صراع مع السلطة التي كبلته ، والثاني مع الذات التي منعته من الانزلاق في الانتماء الضيق في الحياة او في السياسة . هو الذي يدعو الى الحرية المطلقة للفنان باعتباره اساس الحضارة وقاسمها المشترك ، كما تؤكد ذلك جميع الآثار واللقى والايقونات . ولأن الوعي يحتاج الى الحركة بديلا موضوعيا عن اللغة غير ذات الأهمية في الكثير من الاحيان ، وعليه فـ ( الحركة ) كفيلة بايصال المعنى غير المسبوق ، متعدد الآفاق البكر ، بسلاسة ويسر . ان الحركة ذات الفكر التنويري والحرية بلا قيود ، ذات المهمة العسيرة هي الوحيدة القادرة على بقاء المسرح بعيدا عن الولاءات . وما الخراب الذي اصاب المسرح الا بسبب النظرات الضيقة التي تحاول ان تفرض رؤيتها واجندتها على كل شيء . واذا ما حسم الصراع باتجاه الحرية فمن المؤكد اننا سنشهد نهضة للمسرح لا مثيل لها . ولأن مهمة النهوض بالمسرح مهمة عسيرة لابد لها من فكر علماني – تنويري . في عقدي نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي – حسب اسماعيل خليل – الذي يقول : خضنا تجربة الوفاء التام للابداع ، ورفضنا الوصايات ، الضيقة منها والواسعة ، فلم نكن وقتها ننصاع كليا لتلك الوصايات ، ولقد وضعنا هامشا واسعا للحرية في سلوكنا ، وسياسة العقوق لاولياء الامر والاوصياء التي سلكناها ، جعلتنا نحقق الكثير ونقف بجدارة مع من سبقونا وقوف الأنداد ، مع عدم رضانا عن هذا النوع من السلوك وعلمنا بعدم رضاهم – أيضا - واعتبارنا عاقين .
في العام 1948 ، ولد اسماعيل خليل في محلة البتاوين ، خلف مسرح بغداد وسينمات شارع السعدون حيث تسكن جدته لأمه . معمدا بخليط عرقي غير طائفي من سكان بغداد ، مسسلمين ومسيحين وايزيديين ويهود وصابئة ضيعت ملامح انتماءاته العرقية وسلحته بخصال من اخلاقها المعمدة بحب العراق ، انه خليط من طيب سكانها . هو القائل عندما صار مهما : "حين أقدم على تأسيس عمل مسرحي اخراجيا لايفارقني اقراني من المسرحيين أخشى مراقبتهم التي تحيطني بالمعرقبة وتخشى علي من الزلل ، انهم يحتلون تفكيري ويشعروني بالرهبة ، يراقبوني وانا أعمل ، لكنني ازداد اطمئنانا باحاطتهم لي فأعرف بانني أسير على طريق سليم ، اتعمد استشارتهم ولو كذبا أحيانا من أجل سلامة خطواتي ، حتى اذا تعديت اليوم الاول من العرض ووقفت على ارائهم تنفست الصعداء " . أكد ذلك لي حين هاتفته ليل 17-18/آب/2015 ومن غير سؤاله مؤكدا ذات الرأي الذي كنا نسير عليه جميعنا نحن تيار ( المجددين ) من جيل الشباب في السبعينات الثائرين على كل عناصر المسرح حينها ، على التأليف والاخراج والتمثيل بفعل تأثيرات الأدب الحديث والرؤية البعيدة عن المعالجات التقليدية في العمل على النص – حسب اسماعيل خليل – ومنطلقات جيلنا .
صلاح القصب ، عوني كرومي ، فاضل خليل ، جواد الأسدي ، فاضل سوداني ، علي ماجد ، عبد المطلب السنيد ، هادي الخزاعي ، عقيل مهدي ، عزيز خيون ، حسن عبد ، محمد زهير حسام ، كاظم الخالدي ، وآخرون جميعهم يشكلون المبدعين ممن جايلوا اسماعيل خليل ، وشكلوا جميعا ظاهرة الجيل ، أو الرعيل الثالث من المسرحيين في العراق . ونادرة صباحات بغداد التي نصحو بها بعيدين عن بعضنا . وغالبا ما تجمعنا وجبات طعام مشتركة زهيدة الاجر ، او وجبة غداء تجمعنا في بيت جدته لأمه التي رعته وصيرته فيما بعد مبدعا تباهت بحضوره الفاعل في الساحة المسرحية مثلما تباهينا به نحن جيله . هو اول المخرجين من جيلنا اعتمدته الفرقة القومية للتمثيل مخرجا رسميا بعد اعداده بجدارة في فرقته الأم ( فرقة المسرح الفني الحديث ) ومروره ضيفا او عاملا في بقية الفرق المسرحية العاملة الأخرى ( فرقة المسرح الشعبي ، فرقة المسرح الحر ، فرقة مسرح اليوم ، فرقة اتحاد الفنانين ، فرقة 14 تموز و24 فرقة مسرحية اهلية ذات التمويل الذاتي تتنافس فيما بينها على صدارة المشهد المسرحي ) . جيل المسرحيين من الرعيل الثالث كان يقطع يوميا مئات الكيلومترات متنقلا بين شارع الرشيد وشارع السعدون والوزيرية عبر باب المعظم والباب الشرقي لبغداد ، حيث بيوتات أهل نرتادهم باستمرار بحثا عن مأوى ننام فيه او نقود تؤمن لنا قوت يومنا . آوتنا فنادق بغداد زهيدة الثمن اغلبها يقع في شارع الرشيد حملت اسماء توحي باجورها الرخيصة ( فندق الايمان بالله ) و( فندق وردة الصباح ) و( فندق ليالي دمشق ) ( فندق مؤيد ) وفنادق اخرى اقل اهمية آوتنا مع حقائب كتبنا التي تضم احيانا قميص نوم او بدونه ، فمنا من كان ينام بخلع البنطلون والقميص لينام بالملابس الداخلية ، او ينام بالبنطلون والقميص عندما لا تتوفر الملابس الداخلية . ننام حتى أذان الظهر لننطلق الى مطاعم الـ (الفوكه) حيث الرز والمرق وكميات هائلة من الخبز (الصمون)** كيف لا وهي الوجبة الاهم التي نقتات بها حتى الساعة الثالثة ليلا عندما ننهي يومنا من المقاهي بعد نقاش ومشاهدة فلم في احدى سينمات بغداد ( سميراميس ، غرناطة ، الخيام ، النصر ، بابل ، وسواها ) أو احتساء كأس او اكثر من العرق او البيرة في بارات ( كاردينيا ، أو بلودان او فوانيس ، البارات زهيدة الدفع والثمن ) لنذهب بعدها والصبح اوشك على الاشراق حيث عربة ابو شامي للمقليات ( العروك والبطاطا والباذنجان والبيض المخلوط بالعروك المفتت ( المخلمة ) تحت نصب الحرية وتحت عنق الحصان الجانب الاعظم من نصب الحرية حيث ينتظرنا العشاء الكبير في العديد من السندويتشات ( اللفات بالعراقي ) . نأكل ونأكل بلا حساب فبالامكان عند ابو شامي ان نسجل ما نأكل على الحساب الذي بقي الكثير منه دينا في رقابنا سددناه بعد التخرج ومن اجور من اشتغل من بعضنا.