TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما بعد الطائفية ما وراء الخوف

ما بعد الطائفية ما وراء الخوف

نشر في: 22 سبتمبر, 2015: 09:01 م

قد لا تبدو حقيقة الطائفية جلية خلال تعاملاتنا وحياتنا اليومية فقد نجح الخيّرون وأصحاب الفكر الوسطي من تحجيم مظاهرها إلى الحد المعقول، وقد يكون الصراع الدامي بين الطائفتين أنتج لنا نوعا من الخلاصات خلال السنوات الماضية، فصرنا ننبذها، نستقبح أعمالها، لكن نتائجها لما تزل ماثلة في عقل الطائفة المغلوبة وفي الذهن الاضعف من خلال ممارسات عدة.
بالأمس كنا صحبة وأصدقاء من منطقة واحدة، بيننا السني والشيعي، كنا ذهبنا في رحلة قصيرة نصطاد السمك على شط العرب في منطقة السيبة القريبة من الفاو، لكن وحين حانت صلاة الظهر رأيت أن أصدقاءنا وليد وعبد الرحمن وفارس وهم من أهل السنة قد تفرقوا بين النخل وخلف الاكمات كل يصلي صلاته مفردة، في خشية واضحة من ان يراهم أحد. كنت أستشعر الخوف والريبة في أعماقهم وهم يرفعون أيديهم تحت صدورهم خلال الصلاة. وحين انقضت الصلاة وجلسنا على المائدة، همس في أذني أحدهم بانه كان يخشى من أن يراه احد وهو يصلي صلاة أهل السنة. قلت الحمد لله بأنني لست من المصلين، فضحكنا معا ضحكة يائسة خائفة أخرى.
في منطقة الشلامجة الحدودية مع إيران هناك بحيرة كبيرة هي من أعمال الحرب العراقية الايرانية، تقع اليوم تحت سيطرة الجيش والسلطات الأمنية، البحيرة مكان وافر لصيد السمك، فيها أسماك كثيرة، وانواع مما يحبه البصريون مثل الشانك والشعم كذلك أنواع أخرى مثل الكارب لكن بأوزان خرافية، لذا فهي مقصد الصيادين، ولأن المنطقة عسكرية بالمعنى الأمني فلا يدخلها إلا من يحمل تصريحا بالدخول من السلطات الأمنية. يقول عبد الحافظ بأنه صديق لأحد الضباط المسؤولين هناك، وهو طلب الذي منه ان يبعث له باسمه كاملا ورقم سيارته كيما يستحصل له موافقة دخول البحيرة. وبما أن اسم صاحبنا كان عبد الحافظ عبد العزيز عبد الله فقد قال له بأن اسمك هذا لغم، وهو اسم سني بلا شك لذا يتعذر علي استحصال موافقة الضابط المسؤول. ولم يستحصل الموافقة.
طريقان يؤديان إلى جامع في إحدى القرى في ابي الخصيب(جامع سني) أحدهما مباشر قريب، محاذ للشارع العام، لكنه مكشوف وآخر يخترق القرية، ترابي لكنه أطول، وهو يمر ببيوت القرية لذا يعمد الكثير من مصلي الجامع إلى تجنب الطريق القصير المحاذي للشارع وسلك الطريق الترابية الطويلة تسبياً في تحاش واضح من أنظار الناس، هناك خشية من الوصل للجامع، مع يقين الناس هنا بان المصلين من الناس المساكين الذي لا يعرفون عن ابن تيمية شيئاً وليس في بيوتهم من آثار محمد عبد الوهاب إلا كليوبترا وكل ده كان ليه ومضناك جفاه مرقده والنهر الخالد.
يريد معلمي(سني) الذي درّسني الانجليزية في الابتدائية العودة للبصرة، هو الذي أعدم نظام صدام حسين ابنه البكر بتهمة الانتماء لحزب الدعوة. الرجل بلغ من العمر اليوم الثمانين سنة، سكن الموصل لأنه لا يملك دارا، فقد ماتت زوجته، ذهب ليسكن في دار ابنته المتزوجة من كردي هناك، هو اليوم يعيش في اربيل هاربا من داعش. يستشيرني في إمكانية السكن في قريتنا، وهل سيكون بمنأى عن مساءلة السلطات، وهل سيكون في مأمن من ملاحقة المليشيات؟ لم أجبه، ولم أنصحه بالعودة مع يقيني بانه الأحق بالعيش في مدينته وبين أهله . ترى بماذا أجيبه وانا أورد للناس التفاصيل هذه؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

 علي حسين ما أن خرج الفريق عبد الوهاب الساعدي ليتحدث إلى احدى القنوات الفضائية ، حتى اطلق بعض " المحلللين " مدفعيته تجاه الرجل ، لصناعة صورة شيطانية له ، الأمر الذي دفع...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

مثلث المشرق: سوريا ومستقبل الأقليات بين لبنان والعراق

سعد سلوم على مدار عقود، انتقلنا من توصيف إلى آخر: من "البلقنة" في سياق الصراعات البلقانية، إلى "لبننة" العراق بعد التغيير السياسي في أعقاب إسقاط نظام صدام حسين، وصولًا إلى الحديث اليوم عن "عرقنة"...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram