خيّب جيرمي كوربين، المرشح اليساري في بريطانيا لزعامة حزب العمال، الأسبوع الماضي، استطلاعات الرأي كلها التي رشحت أندي بيرنهام لزعامة الحزب والذي لم يحصل إلا على 19 في المئة من الأصوات، بينما فاز كوربين بما يقارب الـ 60 في المئة، ويعود الفضل، عدا عن شعبية كوربين ونزاهته وبساطته (يتنقل على دراجة هوائية) إلى الدعم الكبير الذي حصل عليه من نقابات العمال البريطانية، وهي نقابات عريقة ومؤثرة في التاريخ السياسي لبريطانيا العظمى.
كوربين أعاد الاعتبار لهذا الحزب الذي "اتهم" باليسارية، يوما، لكنه في حقيقة الأمر انكفأ بقوة نحو يمين أوروبي تقليدي، ظهرت طبعته الفاقعة في شخص الزعيم السابق (رئيس الوزراء) توني بلير وسياساته الخاطئة، منذ حماسه الطائش ليصبح تابعاً رخيصاً لجورج بوش في حربه على العراق عام 2003 وفق دعاوى لا تمت، بشكل مقنع إلى ما ادعوه بتحقيق الديمقراطية في العراق بعد اسقاط نظامه الدكتاتوري بقيادة صدام حسين، وما قدموه من وثائق كاذبة بشأن أسلحة الدمار الشامل.
"زلزال أحمر" هو العنوان الذي تعاطته أوساط اليمين البريطاني وصحافته لأن كوربين شخصية "متمردة" حتى على مراكز قوى متنفذة داخل حزبه، وهي قوى لن تكتفي باحتواء الصدمة بل ستضع مزيداً من العراقيل في وجه هذا البريطاني الكهل، الملتحي، الذي يتنقل على دراجة هوائية والمعجب بكارل ماركس.
صحف اليمين البريطاني، مثل "ديلي تلغراف" و"ميل أون صاندي"، لم تجد غير تحذير البريطانيين من الصعود الجديد لـ "الحمر" رغم أن الأولى (ديلي ميل) حاولت أن "تلعب" ضد نفسها عندما حاولت "حرق" كوربين من خلال دفع الناخبين لانتخابه معتقدة أنها تدفعه نحو الهاوية.
نتائج الانتخابات هذه، بفوز كوربين ومؤيديه، ضربة قاصمة لما مثلته "البليرية" مدرسة غير مشاغبة (مطيعة لسياسة رأس المال) بتنكرها لمبادئ الحزب الأساسية وقلبت ظهر المجن للعمال والمهمشين والفقراء، بخلاف وعودها منتصف التسعينات للشعب البريطاني بـ"الرخاء".
اعتمد كوربين مبدأ "المشاركة" والانفتاح على الجميع وأولهم الطبقة الوسطى، بل "كل الطبقات" وهذا ما يعتبر في ثقافتنا العربية الماركسية "خيانة" للبروليتاريا ودكتاتوريتها، لكن الشيوعية الأوروبية تتميز بتقاليدها الديمقراطية التي لا تحتكر فلسفة الطبقة الواحدة التي تقود إلى حكم الحزب الواحد الذي يدعي تمثيلها، فوصفت بـ"التحريفية" في أدبيات الاتحاد السوفيتي السابق ومعسكره الشرقي، وهنا يقول: "إنني واثق من بناء حركة عمالية ديمقراطية لا تعتمد على أوامر الزعيم بل على المشاركة وتبادل الأفكار".
في سياسته الخارجية يدفع كوربين نحو توسيع الحملة على "داعش" لكنه ضد الحرب على سوريا (لأنه كان من الناشطين ضد الحرب على العراق) من دون أن يصمت على جرائم بشار الأسد، ويعارض حملة السعودية على اليمن ووصف السلطة في البحرين بالدكتاتورية.
"ندعو للسلام ونزع الأسلحة في جميع أنحاء العالم" يقول.
وبعد هذا وذاك فهو صديق اليسار في أمريكا اللاتينية، كما وصفته كريستينا فرنانديز رئيسة الأرجنتين، وهو صديق للشعب الفلسطيني ومن دعاة رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة.
وإذا تحققت توقعات فوز صادق خان بمنصب عمدة لندن، فـ"الشبح الأحمر" سيقترب أكثر فأكثر من سماء لندن، وفي مقر رئاسة الوزراء في 10 داوننغ ستريت، وهذا ما سيثير الرعب في أوساط اليمين وحلفائهم في بريطانيا، بعد أن حقق كوربين "أمراً مثيراً للدهشة" على حد وصف صحيفة "أوبزيرفر" واسعة الانتشار التي ختمت بالقول: أثبتت الكوربينية أنها هزة أرضية يمكنها تحريك السياسة بصورة لا يمكن تخيلها".
هل سيستمر؟ هل سيتراجع تحت الضغوط؟
الأيام المقبلة ستكشف هذا.
بورتريه كوربين.. شبح يجول حول بريطانيا
[post-views]
نشر في: 28 سبتمبر, 2015: 09:01 م