اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > اسماعيل خليل.. ثقافة المسرح.. وحوار المنافي 2-2

اسماعيل خليل.. ثقافة المسرح.. وحوار المنافي 2-2

نشر في: 29 سبتمبر, 2015: 12:01 ص

الكيلومترات التي قطعناها وقطعتنا مشيا كانت تنتهي بنا عند ( مسرح بغداد ) او ( مسرح اليوم ) او ( مسرح الـ 60 كرسي ) ، وفرق مسرحية اخرى بلا صالات عرض كانت هي الاخرى مقراتها في شارع السعدون او محلة البتاوين او في منطقة الصالحية او مدخل شارع النهر . كنا ن

الكيلومترات التي قطعناها وقطعتنا مشيا كانت تنتهي بنا عند ( مسرح بغداد ) او ( مسرح اليوم ) او ( مسرح الـ 60 كرسي ) ، وفرق مسرحية اخرى بلا صالات عرض كانت هي الاخرى مقراتها في شارع السعدون او محلة البتاوين او في منطقة الصالحية او مدخل شارع النهر . كنا نذهب اليها – الفرق المسرحية - اما للتمرين او للعروض المسائية ، وأسعدنا من كان يحظى باسبوع مجاني كالذي حصل معنا في ( النخلة والجيران ) ومع ( فرقة 14 تموز ) في عرضهم لمسرحية ( الدبخانة ) . كانت تلك مكرمة تمنحها لنا الدولة على خشبة مسرح الدولة ( مقر المسرح القومي ) في كرادة مريم – المنطقة الخضراء فيما بعد – حاليا لا يقطنها الا المسؤولون .

وبالتالي فالهموم اعلاه ، ورحلة الأميال سيرا على الاقدام ، مصحوبة بالجوع المزمن او التخمة بالوجبات الخالية من الفيتامينات بها او بسببها شل العديد من مبدعينا ممن لا تعتني بهم الدولة ولا الايام ، دفع الكثيرون منهم ثمنها بأمراض مزمنة أو ما يقابلها من الهموم . هي التي اقعدت اسماعيل خليل ، الذي اصبح يشكو من امراض عملاقة ، اقعدته ، وابعدته عن الابداع ، بعيدا عن الوطن الذي لا يعتني بمبدعيه ، لكن المنفى احتضنه مواطنا من الدرجة الاولى وعالجه بارقى المستشفيات وما زال في العلاج باهتمام من كبار مسؤولي المنافي من امثال الكبيرة ( ميركل ) رئيسة وزراء المانيا ، التي فرغت بيتها لاستقبال من وصل من اللاجئين .
اسماعيل خليل الذي عمّده الكبار ، ابراهيم جلال ، ويوسف العاني ، جعفر السعدي ، جعفر علي ، قاسم محمد ، سامي عبد الحميد ، اسعد عبد الرزاق ، بدري حسون فريد ، ابراهيم الخطيب ، بهنام ميخائيل ، وسواهم . وبعد ان انجز ادواره في مسرحيات : النخلة والجيران ، تموز يقرع الناقوس ، في انتظار كودو ، عطيل ، ماكبث ، وسواها على مسارح بغداد . كل هذا الجهد خلق منه مخرجا من جيل الصبية – نحن – كما يحلو للكبار تسميتنا وقتها . اذن هو واحد من اؤلئك الصبية الفرحين بالتسمية ممن طمّنوا الكبار بولادة جيل حمل رسالة السعي المرهق من التصورات الخاضعة لقوانين التطور الاجتماعي والانساني في الحياة والمسرح . اطلقنا عليه العديد من الصفات ، الحكيم ، الهادئ ، النبيل ، الطيب ، الذي نادرا ما يخرج من رزانته . رجل بهذه الصفات هل يصلح لأداء شخصية ( ياجو الشرير ) البعيد عن كل صفات اسماعيل في مسرحية ( عطيل ) التي اخرجتها أنا – فاضل خليل – باشراف متميز من - ابراهيم جلال -واخترت لها ( اسماعيل خليل – ياجو ) بصفاته المغايرة عدا الصفات الخارجية من وجهة النظر المتفق عليها عالميا في ضآلة الجسم ، وفي لحظات الصمت قبل الكلام ، وبالصوت الحكيم المتأني . نعم جازما كنت ومقتنعا ان يكون ( اسماعيل - ياجو )، فـ "سحنته التي تدل على عمق نظرته ووعيه وهمه المسرحي" الذي يرتقي به الى مصاف أهم النجوم الكبار في العراق والعالم . والطيبة كيف ستتفق مع شرور ياجو ؟! حملت اسئلتي ومخاوفي وتوجهت بها الى ( البروفيسور ابراهيم جلال ) المشرف على مشروع تخرجي ( مسرحية عطيل كما اراه ) ، فاتفق معي على اختيار ( عبدالجبار كاظم ) لاداء شخصية ( عطيل ) ، مع شعوري في أننا سنختلف على اختيار ( اسماعيل خليل ) لاداء شخصية ( ياجو ). لكن موافقة ابراهيم جلال سبقتني على صواب الاختيار ، قائلا : اذا اردت ان تسند دور الشرير الى ممثل مشاكس سيقدم الشر ناقصا . وستكون فرصة امام اسماعيل لأن يلعب الشر الذي لم يعرفه في الحياة على خشبة المسرح . وهكذا لعب ( اسماعيل - ياجو ) على المسرح بنجاح كبير .
وفي الوقت الذي كان فيه التجديد في المسرح لا يعدو اكثر من تغيرات طفيفة على النص او في الديكور وسواها كان يعالجها بحلول تقليدية ، و يبحث لها عن اشكال أكثر غرائبية ، مثيرة للجدل كما في اخراجه لمسرحية ( ماكبث ) عندما رسم خارطة العالم على بالونة تمثل الكرة الارضية يضعها بين يدي ماكبث يرمي بها حيث يشاء . و(ماكبث) كانت اطروحة تخرج اسماعيل للحصول على شهادة البكالوريوس ، طامحا في عمله عليها ان تكون غير ما اعتاد عليه الاخراج ، يأمل ان تكون خارج المألوف ، بدأ من اختصارها نصا في جعله – النص 7 صفحات - ورؤية لاتماثل بقية الشكسبيريات في المعمار المدهش واللغة القريبة من الكلام في الانجيل والكتب المنزلة وسوى ذلك من الخروقات التقليدية التي لا تجانب طاعة الوالدين في المسرح العراقي . هذه التصورات دفعت باللجنة الى منع عرضها ، الامر الذي يجعل اسماعيل الى ترك الدراسة . لم يرض ذلك اساتذته ( جعفر علي ، جعفر السعدي ) اللذين انبريا لاقناع ابراهيم جلال – استاذه المشرف - ان يوافق على عرض ( ماكبث ) من اجل مستقبله في الحصول على شهادة التخرج ، فوافق ابراهيم وتشكلت لجنة الاختبار من كبار الاساتذة الذين منحوه درجة الامتياز في الاخراج المسرحي . ولا يفوتنا ان نذكر بأن الصحف ايضا تناولت هذا الحدث بما يستحق من الاهمية . من هنا تولد عنده موقف رافض للنقد الذي يكتبه نقاد غير متخصصون ، جاءوا اليه من اختصاصات ادبية مغايرة . وهو ما جعل نقودهم مصابة بالضعف المعرفي والفكري ، اجهضت كتاباتهم العديد من التجارب الناجحة في المسرح . لا تعدو كتاباتهم غير انطباعات تناولت النص فقط ، وهو الجانب السهل من المعادلة والقريب من اختصاصاتهم . فلم يتطرقوا الى التجسيد وما يتبعه من اساسيات تشكل التكامل الفني في العرض المسرحي . وان مهمة الناقد كما حددها برتولد بريخت بامكانها استدراج الجمهور إلى المسرح ، والناقد هو من يدفعنا إلى التنازل عن قناعاتنا وفقا لآرائه . وهذا النوع من النقاد غير متوفر – حسب اسماعيل - وهو الذي اثار اشكالية ان " النقد كالفكر ، أو هو فكر لا يتغذى ولا ينمو إلا بالتساؤل المستمر"(1) . وبعد ان تدنى مستوى المسرح في الآونة الاخيرة صار الناقد الذي يشكو من العروض التي تستحق الكتابة وها هو الكاتب المصري لويس عوض يقول : " ماذا أنقد ؟ للأسف أن ما يعرض حاليا لا علاقة له بفن المسرح ، لا من قريب ولا من بعيد"(2) . فالرأي النقدي اذن لا يولد من لا شيء بل هو ينمو وينتعش في ظل المعرفة والعروض الكبيرة .
• انه هو اسماعيل خليل أمين ، عراقي اينما حل – حسب شعوره – تنقَّل بين سوريا وبيروت وبلغاريا واليمن والمانيا التي استقر بها ملاذا للحياة وللعلاج ، وسواها من المنافي الهامشية ، ضمن حملة الهجرة الاولى للخلاص من الوطن الذي لا يوفر الحياة والسلام لابنائه . ولد في بغداد 1948. انطلق صغيرا من برنامج (جنة الاطفال) للمربي الكبير (عمو زكي) . 1967 انتمى الى (فرقة الصداقة) التابعة للمركز الثقافي السوفياتي فمثل لها واخرج العديد من المسرحيات . 1968 التحق باكاديمية الفنون الجميلة لدراسة المسرح . 1969 تم اختياره ممثلا في مسرحية ( النخلة والجيران ) وما تبعها من المسرحيات لفرقة المسرح الفني الحديث منها على سبيل المثال لا الحصر ( تموز يقرع الناقوس ) تأليف عادل كاظم واخراج سامي عبد الحميد .
هوامش
• الحرية المطلقة ، شرط الابداع ، حوار أجراه : صالح حسن فارس ، مع المخرج اسماعيل خليل .
1* أدونيس ، كلام البدايات ، دار الآداب ، بيروت 1989 ، ط1 ، ص190.
2* د.لويس عوض ، أزمة المسرح المصري..ومثلث النص ، الممثل ، والنقد . جريدة الجمهورية ، الخميس26/4/1984 ، ص7 .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram