كان دائم التنقل من عمل الى آخر ، سلسلة من الوظائف التي تبعث على الكآبة واليأس ، وذات يوم قرر ان ينهي هذه المسرحية ، في السادسة عشر يركب دراجته ويذهب باتجاه المدرسة التي طرد منها ، وفي داخل المختبر يمسك زجاجة "الهيدروسيانيك" بيديه، ما هي الا لحظات وينهي حياته ، فجأة وفي ثواني معدودات رأى نفسه وقد انشطر الى مخلوقين: الاول مراهق سخيف ، والثاني شخص آخر يتمنى ان يصبح مثل جيمس جينر صاحب كتاب الكون الغامض، ادرك حينها انه اراد ان يمسك الحياة لا ان يجعلها تفلت من بين اصابعه:"في اللحظة التي قاربت فيها انبوبة السم شفاهي ادركت ان قتل نفسي كان حلا في منتهى السخف ، وايقنت انني انا وليس غيري من يتسبب في إحداث المشاكل لنفسي بالسماح لها ان تقبل بالتخاذل والهزيمة" .
تنقل في وظائف عدة ، عامل بناء ، بائع سجاد وعامل تنظيف ، واخيرا متشرد على دراجة يجوب أحياء لندن، وفي الليل ينام على اقرب رصيف، وحين تتحسن احواله المادية يتمكن من شراء كيس ينام فيه وسط الحدائق، لكنه في النهار لا يفارق مكتبة المتحف البريطاني ، يقرأ ويسجل ثم يأخد الاوراق يراجعها على مسطبة الحديقة، في السادسة والعشرين يقرر ان يدخل عالم التأليف، فيدفع الى المطبعة بكتابه "اللامنتمي" الذي جعل منه واحدا من ابرز رموز الفكر والثقافة في القرن العشرين.
في سيرته الصادرة حديثاً عن دار المدى بعنوان "حلم غاية ما" والتي ترجمتها بعناية فائقة الاستاذة لطفية الدليمي، يخبرنا كولن ويلسون انه وضع اكثر من مئة كتاب، لكنه دخل التاريخ بكتاب واحد اسمه اللامنتمي
ظل حتى آخر حياته يطمح ان يحسب على فلاسفة الوجودية وهو يشكو في سيرته الممتعة من نبذ الوسط الأدبي له ويلوم القارئ البريطاني الذي لايقدر الافكار ويتساءل هل يمكنك تخيل ألف شخص يقفون في الصف هنا ليستمعوا الى محاضرة عن الوجودية كما فعلوا في باريس مع سارتر؟ الإنكليز يشاهدون كرة القدم فقط .
حاول ويلسون ان يجرد الوجودية من التشاؤم الذي يواكبها، ورأى الترويج للتفاؤل فكرة جدية يواجه بها جيل مابعد الحرب العالمية الثانية المأساوي. اعتبر نفسه عبقرياً، وحين تسأله محررة النيويورك تايمز كيف يتمنى ان يكون نعيه؟ يقول "لا يهمني ذلك فعلاً. ..لقد قلت في كتابي "حلم غاية ما" إنني أنظر إلى نفسي باعتباري الأكثر أهمية بين كتّاب القرن العشرين، وسأكون أحمق إن لم أدرك هذا، وجباناً إن لم أقله " .
راكب الدراجة
[post-views]
نشر في: 29 سبتمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
خليلو...
حسنا فعلت اليوم فقد اخرجتنا من دائرة الحديث عن القره قوزات الذي صار مكررا معادا ولو بأشكال تفرج عن كثير مما نختزنه في صدورنا من الالم لما آل إليه حال العراق ويسرني ان أعلم من لا يعلم من قرائك أن أول مترجم ل(اللامنتمي) عراقي لا يقل شأنا عن كولن ولسون هو أن