TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مهاجرون في بلدان الأحكام العرفية

مهاجرون في بلدان الأحكام العرفية

نشر في: 6 أكتوبر, 2015: 09:01 م

3-3
العنف، النهب، القتل، الموت، ذلك ما يحدث في البلدان التي يأتي منها أغلبية الهاربين: سوريا، العراق افغانستان، مالي، ليبيا. أما الحديث عن الهجرة من بلدان البلقان بحثاً عن العمل فهو ضحك على الذقون، لأن نسبة هؤلاء شحيحة جداً، وهي لا تعادل ولو جزءاً بسيطاً من هجرة كبيرة تحدث منذ سنوات وهي في ازدياد، هجرة المرفهين، أبطالها: شباب وشابات، رجال ونساء، عائلات كاملة بطفلين وثلاثة أو أكثر، يأتون من بلدان "الأزمات" الأوروبية، بحثاً عن العمل أو للتسجيل في مكتب العمل لقبض المساعدات. من لا يصدق، عليه القيام بجولة بسيطة في أحياء الموظة في المدن الكبيرة، كرويتزبرغ وبريتسلاويربيرغ في برلين، شتيرن شانتزه وألتونا وفنترهودة وآيمسبوتيل في هامبروغ، و..، عليه فقط أن يصيخ السمع ولن يسمع غير حوارات في باللغات الإيطالية والاسبانية والفرنسية بل والانكليزيةً.
قبل 35 عاماً هربت من العراق، من بلد دمرته الحروب، بلاد نكون فيها إما مدفونين أو مسجونين أو منفيين، وكان عليّ دخول الحبس للمغادرة في المانيا أيضاً بعد أن رفضت لجوئي إليها ثلاث مرات، أنا الرافض للحرب، السجين السابق في أقبية التعذيب في سجون صدام، أنا المشرد الذي كان يرى مهزلة طرده، ليس لأنه في حينه كان يواصل في جامعة هامبورغ دراسته للأدب الألماني التي سبق وأن بدأها في جامعة بغداد، بل أكثر لأنه كان يعرف أن بلاده والبلاد التي كانت تقاتل معها، إيران، كانتا تتزودان بسلاح ألماني: العراق يستورد من المانيا الغربية بقايا الغاز المتبقي من الحرب العالمية الأولى، وإيران تستورد من المانيا الشرقية أقنعة الوقاية من الغاز، أمر مفهوم، لا حروب أو قتل ودمار، لا جوع وتشرد أو حصار بدون تجارة سلاح من هذا النوع، واليوم؟ جيوش "الحداثة" الأميركية والأوروبية في كل بقاع العالم، وأعني بالجيوش الاثنين، تلك التي تلبس البسطال، وتلك التي تأتي على شكل رأسمال وشركات وصفقات سلاح. هل بقي شيء في قارة أفريقيا ولم يتم نهبه حتى الآن؟ هل نحصي اسماء المعادن وكنوز الأرض الغنية هناك، من يورانيوم وألماس وجواهر ونفط وغاز؟ والسكان؟ ماذا تبقى للناس هناك غير المجاعة والموت، أو الهجرة باتجاه الشمال؟
السؤال المطروح اليوم على الأغنياء وضعيفي الذاكرة: أي عالم تريدون، عالماً فيه الناس: مشردون، وآخرون هم هناك، مقيمون، يملكون ويحتلون، وما يملكونه يدافعون عنه بأي ثمن؟ هل نريد عالماً، فيه ناس لا يملكون أي أمل، يتشردون فيذهبون إلى الحرب؟ "هكذا عاش في النهاية"، كتب ذات مرة هارب مشرد (جيورج بوشنر) عن هارب مشرد آخر (يعقوب ميشائيل راينهولد لنتز)، والذي رأى الكارثة وهو شاب مبكراً أمام عينيه ولذلك نادى بـ "السلام للأكواخ والحرب على القصور". نداؤه هذا أجبره على الهرب، مات في النهاية لاجئاً في منفاه زيوريخ.
الإنذار ما يزال ساري المفعول إلى اليوم. الهاوية ليست بعيدة عنا، طالما هناك تجارة سلاح (ما هي مرتبة المانيا عالمياً بتجارة السلاح؟ رقم واحد؟)، لا يستطيع المرء أن يتجنب السؤال، إلى أي فريق ينتمي. إذا سألتموني، سأقول لكم، بأنني أنتمي إلى أولئك، الذين هم في حالة هروب، إلى المشردين الذين بلا وطن، المطرودين، المنفيين والمبعدين. لم نذهب بإرادتنا. لكننا باقون هنا بإرادتنا، نحن ذوات حية، نهز ضمائر البشرية كل يوم، ضمائر أولئك السعداء، الذين يعيشون بسلام بعيدين عن كل حرب وهرب، وجوع وبيع سلاح. نذكّر بالحرب والرفاهية. بالغنيمة والاستغلال. ونكرر: لا حروب أو قتل ودمار، لا جوع وتشرد أو حصار بدون تجارة سلاح، سنظل ندق على الأبواب .. سنزحف ناحية الشمال، ولن يوقفنا بناء جدار عازل أو إعلان حالة حرب.
ماذا قال الكاتب بيتر هاندكة؟ أنا لا أشتكي. أنا أدين. هكذا هو الأمر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram