اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > يُقوِّض القانون والسِلمَ المدني..التـهــديد بـالفـصـل العشـائـري يُـفـكــك المجـتـمـع ويُـشـرذمــه

يُقوِّض القانون والسِلمَ المدني..التـهــديد بـالفـصـل العشـائـري يُـفـكــك المجـتـمـع ويُـشـرذمــه

نشر في: 7 أكتوبر, 2015: 09:01 م

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الفصول العشائرية التي وجدها البعض مصدراً للكسب السريع فيما عدّها آخرون باباً لتجارة العاطلين عن العمل يذهب ضحيتها المغلوب على أمرهم. وتحوّل الفصل العشائري من صورته في الدفاع عن المظلوم وأخذ الحق من الظالم الى عملية تجار

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الفصول العشائرية التي وجدها البعض مصدراً للكسب السريع فيما عدّها آخرون باباً لتجارة العاطلين عن العمل يذهب ضحيتها المغلوب على أمرهم. وتحوّل الفصل العشائري من صورته في الدفاع عن المظلوم وأخذ الحق من الظالم الى عملية تجارية مثيرة للاهتمام حتى شبِّهت بـ"الأتاوات"! وتصل بعض الفصول العشائرية بين الطرفين المتخاصمين الى اكثر من 100 مليون دينار وقضايا غريبة تصل الى عشرات الآلاف من الدولارات ووجود النساء اللواتي يُعرفن بـ "الفصلية"! 
 
ومن بين تلك الحالات ما شهدتها مستشفى ابن النفيس في بغداد عندما علت أصوات عدد كبير من الشباب وهم ينقلون مصاباً بطلق ناري الى صالة الطوارىء لتبدأ عملية الإسعاف على يد الطبيب المسؤول عن الصالة في ذاك اليوم لكن الإصابة كانت مميتة ونتيجة للمضاعفات فارق المصاب الحياة. وهنا همَّ جميع المرافقين بالاعتداء على الطبيب وأبرحوه ضرباً ولم يكتفوا بذلك، بل أُجبر على دفع ديــة قتل المصاب، وأصبح الأمر وكأنه الجاني - القاتل وليس المُسعف!
 
فصل سياسي يُرهق القانون
قد يكون الفصل الأشهر بين النائبة البرلمانية حنان الفتلاوي والمتحدث باسم المجلس الأعلى بليغ أبو كلل، حين تهجـّم عليها، وقد سبقته فصول سياسية عــدة أو تهديد بالفصل، لكن آخر مطالبة سياسية برلمانية بفصل عشائري ما أعلنت عنه النائب عن "دولة القانون" عواطف نعمة بأنها ستقاضي وزير التربية عشائرياً إثر ما وصفته محاولة اختطاف وتعرّض بالاعتداء أثناء زيارة قامت بها الى الوزارة، لأجل تقديم ومتابعة لإجراءات تعيين في الوزارة. وعلى إثر ذلك أنهت اللجنة التحقيقية التي شكلها وزير الداخلية الاستاذ محمد سالم الغبان للتحقيق في الحادث الذي تعرض له النائبان عواطف نعمة وحيدر المولى خلال زيارتهما وزارة التربية في شهر أيلول المنصرم وبعد الاستماع الى أطراف القضية والأفراد الذين شهدوا ما حصل بالفعل توصلت اللجنة الى أن الحادث ليس عملية خطف مدبَّرة، بل هي مشاجرة لفظية بين حمايات وزير التربية والنائبين تطورت الى اعتداء من مسؤول الحمايات على النائبين بمعاونة بعض أفراده حيث تمّ إحالة الضابط المذكور الى مجلس تحقيق لسوء تصرفه وارتكابه الاعتداء على النائبين وهو قيد الاحتجاز منذ يوم الحادثة وسيحال الى محكمة قوى الأمن الداخلي لينال العقوبة المنصوص عليها قانونياً. 
وأضاف بيان للوزارة نُهيب بأبناء شعبنا الكريم من مسؤولين تنفيذيين وأعضاء مجلس النواب ومواطنين عاديين الاحتكام الى القانون والانصياع لمقرراته وضوابطه للسير تدريجياً نحو الانضباط والاستظلال بمظلة القانون ليكون الجميع بمأمن من التصرفات الهوجاء والسلوك المرتجل، وندعو الجميع وخصوصا وسائل الإعلام الى التعامل مع أمثال هذه القضايا بروح المسؤولية الاجتماعية والتوجيه القانوني لإشاعة أخلاق المسؤولية والانضباط.
قوانين النظام السابق
قرار مجلس قيادة الثورة المنحل (24) والصادر / 24- 3- 1997 الذي استند الى أحكام الفقرة (أ) من المادة الثانية والأربعين من الدستور، إذ قرر المجلس المنحل: 
اولا: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات كل من أدعى بمطالبة عشائرية ضد من قام بفعل تنفيذاً لقانون او لأمر صادر اليه من جهة أعلى. 
ثانيا: ينفذ هذا القرار من تأريخ نشره في الجريدة الرسمية. نشر القرار 24 في الوقائع العراقية بالعدد 3664 في 7 /4/ 1997. 
التعليق:
المفارقة ان هذا القانون نعم لا زال نافذاً، بموجب أحكام المادة 130 من الدستورالعراقي الدائم 2005 الذي نصَّ: تبقى التشريعات النافذة معمولا بها ما لم تلغَ أو تعدّل وفقاً لأحكامه، لذا فإن القرار أعلاه لا يزال نافذاً، إذ لم يصدر قانون يعدله او يلغيه. وبحسب القانوني حسن الأحمد الذي تحدث لـ(المدى): ان النظام السابق اول مَن خرق هذا القانون في الكثير من الحالات التي لا يسع الذكر لها الآن. مبينا: ان الكثير من الجهات السياسية والاجتماعية الحالية خرقت هذا القانون ايضا من خلال التهديد بالفصل العشائري او أخذ الفصل، جراء تنفيذ امر حكومي. مشيرا الى ان هذا الخرق غالبا ما يكون في تنفيذ أومر قضائية او إلقاء القبض او في مجال العمل والوظيفة والتعليم.
الأطباء أكثـرهم عرضة
نقابة الأطباء في ديالى أكدت ان أكثر من 140 طبيباً رحلوا عن المحافظة خلال الاعوام الماضية جراء استمرار التجاوزات والاعتداءات التي يتعرضون لها الى جانب الفصول العشائرية وحرمانهم من حقوقهم.
وكشف مرتضى الخزرجي نقيب الاطباء في ديالى عن تسجيل خمسة اعتداءات طالت الاطباء خلال الفترة الماضية اربعة منها خلال اسبوع في مستشفى البتول للولادة، مشيراً الى ان نقابته أجلت تنظيم وقفة احتجاجية ضد التجاوزات والاعتداءات حرصاً منها على مصلحة المواطنين والمؤسسات الصحية.
واستعرض الخزرجي مشاكل الاطباء في ديالى خلال الفترة الماضية وابرزها ظاهرة الفصل العشائري (ذوو المريض المتوفى يطالبون الطبيب بدفع دية مالية)، مؤكدأ تسجيل العشرات من حالات الفصل العشائري، قسم منها غير معلن لخوف الطبيب على سمعته وسلامة عائلته.
وأعلنت صحة ديالى في وقت سابق عن تسجيل 9 حالات فصل عشائري بحق اطباء ديالى وصلت مبالغ الدية فيها الى 50 مليون دينار اضافة الى تسجيل 30 حالة فصل عشائري بحق الأطباء خلال الأعوام السابقة.
من جهته دعت نقابة الأطباء بالبصرة الجهات المعنية بالمحافظة، لتطبيق قانون حماية الأطباء حفاظاً على حياتهم من التهديدات العشائرية، في حين دعا مجلس المحافظة المتضررين من "الأخطاء" الطبية اللجوء للقضاء بدلاً من الحلول العشائرية، أكدت إدارة المحافظة عدم حق أي مواطن معاقبة الآخرين وفق أهوائه بعيداً عن القانون، جاء ذلك في أعقاب تعرض طبيب جراح بصري إلى تهديد عشائري على خلفية وفاة شخص أجرى له عملية جراحية! وقال نقيب الأطباء في البصرة، مؤيد جمعة: إن الطبيب الجراح نزار المحفوظ، تعرض في 27 أيلول 2015 الى تهديد من قبل ذوي متوفى أُجريت له عملية بثلاثة أيام، مشيراً إلى أن المحفوظ ترك عمله بعد تلقيه التهديد بالقتل وكتابة التحذيرات على عيادته ومنزله وسط البصرة. 
 
عصابات عشائرية
الوجيه العشائري صالح مهدي العتبي تحدث لـ(لمدى) عن شيوع ظاهرة التهديد بالفصل العشائري في شتى مجالات الحياة قائلا: للاسف أخذت هذه الظاهرة التي لا تمت لأصالة العشائر العراقية تنتشر، بل أصبحت وسيلة تهديد للكثير من الناس، مبينا: ان البعض من شيوخ العشائر باتوا أشبه برؤساء عصابات! موضحا: ان اكثرهم ليسوا شيوخ بالأصل، بل أناس أتقنوا لبس العقال كمهنة مع جلِّ احترامنا للطيبين من الشيوخ الأُصلاء أصحاب الحظ والبخت، لكن للاسف لا يستطيعون الوقوف بوجه هؤلاء بسبب الظرف الحالي. 
 
فصـل فيسبوكي
وبشأن الظاهرة الأخرى التهديد بالفصل العشائري في ما يخص بعض حالات التحرش كما توصف في (الفيسبوك) يقول العتبي: التكليف العشائري المنصف شرف لكل شخص يتصدى له ويعمل على وئـد الخلاف والفتنة، مشيرا الى موديل جديد من القضايا العشائرية كما وصفه، لافتا: الى قضيه التحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك، منوها لا يكاد يمر أسبوع إلا وتكون هناك مشكلة بهذا الأمر. 
واضاف العتبي: لم نعد نعرف اين الخلل بتخلف المجمتع ام بطبيعة البعض من مستخدمي هذه المواقع. مضيفا: اذا لم يكن صاحب العائلة يثق بأخته او بنته او زوجته لما يسمح لهن باستخدام الانترانيت والمواقع الاجتماعي. موضحا: ان الكثير من هذه الحالات تحدث مع عوائل غير متحضرة وعليها علامات استفهام.
 
القانون هو الحـل
الخبير القانوني طارق حرب اشار الى ان ما حصل في البصرة خلال الاسبوع الأخير من شهر ايلول 2015 من تهديدات عشائرية لأحد الاطباء بسبب وفاة مريض اثناء اجراء عملية جراحية له. إن الحكم الدستوري والقانوني يلزم هذه العشيرة والاجهزة المختصة بعدم اتخاذ أي اجراء او تصرف تجاه الطبيب لحين صدور حكم قضائي بمسؤوليته عن وفاة المريض. مضيفا: حيث يعتمد حكم المحكمة بفرض العقوبة وتقرير المسؤولية على خبرة اللجنة الطبية المختصة التي تتولى تقديم تقرير الى المحكمة بعد فحص جثة المتوفى بدقة وتحديد سبب الوفاة.
 
التعويض وتوزيعه
واضاف حرب: وعما اذا كانت الوفاة طبيعية كحالة مرضية او حالة مقبولة طبيا ام أن الوفاة كانت بسبب يعود لخطأ الطبيب المعالج او عما اذا كان الخطأ مشتركاً بين تقصير الطبيب وإهماله من جهة وظروف الحالة الطبية المقبولة من جهة أخرى، وعلى ضوء خبرة اللجنة الطبية تتولى المحكمة اصدار قرارها ببراءة الطبيب او الافراج عنه او الحكم عليه بالعقوبة المناسبة واعطاء الورثة حق المطالبة بالتعويض امام المحاكم المدنية حيث تتولى محكمة البداءة تقرير التعويض وتوزيعه بين الورثة حسب القسام الشرعي. مستدركاً: وليس كما يحصل في توزيع التعويض (الفصل) في الفصول العشائرية حيث يذهب جزء كبير منه الى العشيرة وجزء لأشخاص ليس لهم الحق في الحصول على التعويض قانونا وشرعا مثل أخوة المتوفى عند وجود الابن والبنت للمتوفى، فالأخوة لا يستحقون شيئاً من التعويض.
 
الديــن والقانون
وخلص الخبير القانوني طارق حرب قائلا: ان ما قامت به العشيرة من تهديد الطبيب (الكوامة) قبل اكمال الاجراءات القانونية والقضائية وعرض الطبيب بدفع الفصل العشائري (التعويض والدية) مخالف لأحكام المادة (45) من الدستور التي منعت الأعراف العشائرية التي تتنافى وحقوق الانسان. مستطردا: فمن حق الطبيب الرجوع الى المحكمة والى القانون والى الخبرة الطبية لتحديد مسؤوليته وأوجبت تلك المادة على القبائل والعشائر الالتزام بالقيم النبيلة وان تكون شؤونها منسجمة مع الدين والقانون وكذلك تخالف احكام قانون حماية الاطباء رقم (26) لسنة 2013 الذي قرر الحكم بقعوبة الحبس على كل مطالبة عشائرية وخالف ذلك ايضا احكام القوانين المتعلقة بالمحاكمة والمرافعة والخبرة القضائية والتعويض وتحديد المستحقين للتعويض. 
وهنا لابد ان نذكر أن القتل الذي يحصل بعد ما يسمى (الكوامة) أي التهديد العشائري يجعل من العقوبة المقررة للقاتل هي الإعدام وفق المادة (406) من قانون العقوبات بدلا من القتل الاعتيادي الذي تكون عقوبته السجن المؤبد او المؤقت وفق المادة (405) عقوبات لوجود ظرف سبق الإصرار الذي أثبتته واقعة (الكَوامة) العشائرية.
 
تحديد الأسعار حسب السوق
البعض من ضعاف النفوس يتاجرون بقضية الفصل العشائري من خلال ابتزاز الناس وإجبارهم على دفع مبالغ فوق طاقتهم بسبب حادثة بسيطة او بسبب تعرض أحدهم للاهانة غير المتعمدة. الباحث في شؤون العشائر والأنساب السيد عباس الموسوي يقول لـ(المدى): بسبب غياب القانون وضعف الجهات الحكومية والقضائية في العراق انتشرت ظاهرة الفصل العشائري بشكل غير منصف وتجاوزت حدود العقل والعرف الاجتماعي والديني والعشائري. مبينا: ان الفصل يُرهق كاهل الناس ويُصدع بُنية المجتمع العراقي، ويدق أسفين الفرقة بين أبناء الوطن!
واضاف الموسوي: للاسف قد وضع البعض ممن يسمون انفسهم شيوخ عشائر سعرا محددا حسب نوع العمل او الاعتداء، مضيفا: مثلا اذا تكلم أحد الاشخاص عن أحد شيوخ العشيرة الاخرى او وجهائها فإنه يغرّم مبلغاً من المال يُسمى (كَص اللسان) وإذا تحدث عن شرف الآخرين أيضاً بسوء فإنه يدفع (امرأة من ذويه وخاصته) الى خصمه ليتزوجها وفي حالة الاعتداء على الخصم بالسلاح او بالضرب فإنه يغرم أيضا وتسمى (بالفصلية) وفي بعض الأحيان يتم التنازل عن النساء مقابل مبلغ من المال. 
 
نسبة العشيرة والشيخ
واسترسل الموسوي بحديثه: بعض الجهات الشرعية حددتْ مبلغ (الدّيـة) للقتل غير العمد بـ"12" مليون دينار فقط مع انه يحق لولي المقتول بالتنازل عن جزء من المبلغ او كله.مبينا: ان بعض العشائر تأخذ نسبة من الفصل الى العشيرة او ما يعرف بصندوق التكافل. لافتا: الى أن مجموعة من التجار كما وصفهم يُجيدون التحدث ببعض التفاصيل والقضايا العشائرية فتجدهم في كل قضية وحادث لا يستحق حتى جلسة عادية يحوله الى فصل ودية وكوامة وعطوة طبعا بعد الاتفاق على نسبتهم من الفصل!
 
 
 
 
 

فارزة

منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1920 شرّعت قانوناً سُمي بقانون العشائر، فرضه الانكليز في التعامل، اذ يعدون ذلك الأمر افضل من التعامل مع القوى والاحزاب السياسية والاجتماعية والمدنية حتى جاءت ثورة 14 تموز 1958 التي الغت القانون وامرت بالعمل وفق القوانين التي شرعتها الدولة، كما رفعت اللقــب العشائري من بطاقة الاحوال المدنية.
التوسع الحاصل لهذه الظاهرة وانتشارها لم يعد مرتبطا بعد نيسان 2003 فحسب، بل الفترة التي سبقت ذلك خاصة ايام الحرب العراقية- الايرانية، وما تلى انتفاضة 1991 وكيف سيطر النظام على مقاليد الامور بعد تزعزعه من خلال اعادة سلطة العشيرة حتى انه اصدر عفوا عن السجناء شمل به جرائم القتل العمد مشترطا تنازل ذوي القتيل عن القاتل، عن طريق الفصل العشائري، اذ لجاء الكثير من الناس حتى اولئك المبتعدين عن العشيرة لأسباب خاصة الى عشائرهم لأجل فكاك أبنائهم من قيود السجن لتأتي أحداث ما بعد نيسان 2003 التي غيبت معالم الدولة ونشرت الفوضى الأمنية التي ساهمت بانتشار السلاح، الأمر الذي أعطى قوة للمذهب والعشيرة، اذ باتت قوة العشيرة حسب ما تملكه من أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة.
الشيوخ اليوم يفرضون قوانينهم العشائرية على ابناء المدن ايضا فلم يكن تخيل ان يحدث فصل عشائري في منطقة المنصور او الكرادة او الاعظمية، اذ ارتبط اغلب تلك الفصول العشائرية بما يعرف بالعصابات العشائرية التي امتهنت القرصنة والنهب والسلب والنصب والقتل وجمع المغانم وابتزاز المواطنين واشاعة الفساد وممارسة التهديد والوعيد والمطاردة والرقابة على اغلب مجالات الحياة، على الرغم من ان العشيرة في نظر الاسلام ضرورة اجتماعية ومصدر قوة وتكافل وتسامح للفرد والمجتمع، نظرا لدورها الحيوي في حل بعض المشاكل المستعصية التي يعجز القانون على معالجتها او التي يختار أصحابها اللجوء إلى العُــرف العشائري.
يُرجع البعض من شيوخ العشائر شيوع ظاهرة الفصل الى انشغال القضاء بملفات الفساد والإرهاب، التي هي الأخرى تشكو الإهمال، لذا وحسب قولهم اخذت العشيرة دورها في إرجاع الحق وإشاعة العدل. ولا بئس من ذلك ان تعمل العشيرة وفق هذا الامر التعاوني شرط ان يكون اجتماعيا وتكافؤا تكافليا، لا وفق ما يُشاع بين الاوساط المجتمعية اذ يجلس بعض شيوخ العشائر لأتفه الأسباب والمشاكل حتى باتوا يتداولون في بعض أحداث الفصول العشائرية كنكات مضحكة أو من جانب السخرية!!
المشكلة الأخطر ان الكثير من شرائح المجتمع أخذت تهدد بالفصل العشائري الطالب يهدد المدرس، المراجع يهدد الموظف، المواطن يهدد الشرطي أو شرطي المرور في حالة رصد مخالفة سير او ما شابه، الموظف والمعلم والمدرس يهدد مديره وهكذا حتى عمال القطاع الخاص يهددون اصحاب العمل في حال عدم الرضا عن عملهم او طردهم من العمل. المؤجر يهدد صاحب البيت او المحل في حال طلبه إخلاء المُلك. ولا ضير بالتهديد اذ يعتمد على الوعي الشخصي، لكن كيف لمن يرتضى ان يجلس عشائريا لموضوع باطل، ويصطحب معه رجل دين معمم يدخلهم في متاهة الدين والمذهب حتى أنه يُشرِّع او يُفتي بالأمر اعتماداً على فتوى يختلقها لمرجع ديني يُقلـــِّـده!
تعدت العشائر وأعرفها مجالات الحياة المختلفة لتصل الى الرياضة سواء كان على مستوى الدوري او مستوى المنتخبات العراقية المختلفة او الإعلام الرياضي، فاذا ما صرح احد الإعلاميين الرياضيين بإشارة الى شيء معين مثل ان المنتخب الفلاني فيه تزوير في الأعمار سارع المدرب او مساعده او المدير الفني للمنتخب إلى تهديد الإعلامي بالعشيرة ان لم يسحب كلامه وهناك العديد من الأمثلة بهذا الشأن.
لكن الأخطر من ذلك ان تصل الى الثقافة والفن والأدب، فقد سبق وان حدث خلاف بين فنانين حول مشهد تلفزيوني تطور حتى وصل الى ضرب احدهما للاخر، الذي سارع الى العشيرة بالرغم من طلبات زملائه بغلق الامر بعد اعتذار زميله. وحادث آخر حين كتب احد الاصدقاء (بوست) في مواقع التواصل الاجتماعي عن رواية إساءة لقومية معينة إبان حكم النظام السابق فما كان من الكاتب المعني سوى التهديد بالعشيرة عبر الاتصال برئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، ان لم يمسح البوست؟! والغريب ان هذا الشخص يكتب بقضايا الحداثة والتمدن والتحضر المجتمعي!
الجانب المؤلم والمؤسف جراء ذلك إن البعض من الاعراف العشائرية قد ازدادت حدتها وخطورتها خصوصا تلك التي لها علاقة بالتعايش الاجتماعي والمدني، حتى اخذت تهدد المجتمع العراقي بالتفكك والانحياز للعشيرة.. إن ازدياد الإطماع العشائرية واستغلال هذه الأعراف لمصالح شخصية تهدف بالدرجة الاساس الحصول على المنافع المادية حتى ان كان ذلك على حساب أشخاص آخرين لا ذنب لهم سوى انهم سقطوا غفلا في فـخ نصابين وأفـّاقين يمتهنون ويبتكرون الخدع والأحداث التي تصوّر الموضوع على أنه اعتــداء.
لقد استخدم النظام السابق العشائر لدعمه والالتفاف حوله من خلال الهبات والمكارم التي منحها للشيوخ، وجاءت النخب والقوى السياسية الحالية واستغلت العشائر لزيادة حالة التشرذم والتفرقة والتاكيد على ذلك من خلال الاستمرار بالحكم والسيطرة على مقدرات البلد والناس! وإلا كيف يمكن تصور الامر ان تكون هناك لجنة العشائر في مجلس النواب، ووكيل وزارة الداخلية لشؤون العشائر ومستشار لرئيس الوزراء ورئيس الجمهورية لشؤون العشائر، ونحن في بلــد يُعد ديمقراطياً يختار أعضاء حكومته عبر انتخابات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس"

أسعار صرف الدولار في العراق

محاولات حكومية لانتشال الصناعة العراقية من الاستيراد.. هل ينجح الدعم المحلي؟

اكتشاف مقابر جماعية جديدة في الأنبار تفضح فظائع داعش بحق الأبرياء

فوائد "مذهلة" لممارسة اليوغا خلال الحمل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram