اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تقسيم وجداني للعراق

تقسيم وجداني للعراق

نشر في: 7 أكتوبر, 2015: 09:01 م

لا اريد ان اظلم الصحافة ولا عراقيي الفيسبوك، كثيرا. لكن نحو ٣ مليون نازح، وربما ٣ مليون عراقي يعيشون بلا مرتبات في "مدن داعش"، لا يحظون باهتمام يذكر من قبلنا. والاغرب ان النازحين انفسهم، لم يعودوا يشتكون ولا يتذمرون.
صحافتنا والكتاب في الشأن العام باتوا مشغولين في الغالب عن ما يمر به العراقيون في "دولة" داعش.
كم منا اهتم بشكل جدي بقطع المرتبات عن المقيمين هناك، وهو موضوع ضجت به الصحافة الاجنبية اذ توجد نحو ٤٠٠ الف عائلة عراقية تحت حكم داعش حسب وكالة رويترز صارت محرومة من الرواتب طوال ٤ شهور.
ان الحكومة تحاول ان تحرم داعش من اي مورد مالي، لكنها تخاطر بجعل الناس هناك يقتنعون بأنهم فعلا في "دولة داعش"، وان العراق انتهى ولم يعد له وجود، لا في رؤوسهم ولا على الارض. وهذا الامر لم يحظ بنقاش مناسب لدى الرأي العام. ولكن لو كان داعش قد احتل الناصرية "فرضا"، وقامت الحكومة بقطع الرواتب عن ٤٠٠ الف عائلة، لاختلف الامر ولاخذ حقه من النقاشات.
وهذه التناقضات ليست مجرد اجواء انقسام، بل هي اساليب مختلفة في التدليل على وجود تقسيم فعلي للعراق، داخل وجداننا ومشاعرنا. وهذا التقسيم ليس خطة صهيونية، بل فعل نفسي نحن المسؤولون عنه. لكن الدليل الاكثر غرابة على حصول التقسيم الروحي والوجداني، هو ان النازحين انفسهم توقفوا عن الاستغاثة والشكوى. هل شبعوا وتحسنت نوعيات مساكنهم وتوفرت حمامات نظيفة لبناتهم ومدارس لاطفالهم؟ ام ان النازحين ادركوا "قسوة قلوبنا" وانشغالنا بالذبح والسحل واللعن، فيئسوا ولم يعودوا يأملون من الحكومة او منا شيئا؟
ومن ادلة وقوع هذا التقسيم الروحي للعراق، ان كثيرا من ابناء طائفتي سيردون بالقول: ان قلوب النازحين قاسية ايضا لانهم لم يتعاطفوا مع ضحايا سبايكر..الخ، الخ، في مسلسل النقاش الذي لن ينتهي.
كثير من العراقيين يئسوا من العراق، مجتمعا ودولة، فهاجروا، اما من لم يهاجروا فقد راحوا ينتظرون منقذا روسيا او اميركيا "كل حسب طائفته". وفي مثل هذه الحالات اتذكر ما يقوله صديقنا الكاتب الكردي المثابر ستران عبدالله، الذي يعتقد ان تقسيم العراق ليس هو الخطر الاقصى، بل الخطورة تكمن في عدم امتلاكنا "مبادئ حسن جوار" بين الاقسام التي ستظهر لاحقا. ذلك ان التقسيم لم يحصل على الارض اولاً، بل وقع داخل العقول والارواح، كراهية متواصلة، ورفضا لأي نوع من التسامح، وإصرارا على "شيطنة" الطرف الاخر، وكفراً بالحلول السياسية. وفي مثل هذه الحالة لن يكون سهلا وقف العنف، سواء عشنا في مدن متصارعةداخل بلد واحد، او في بلدان متجاورة يأكل بعضها بعضا.
وحدة الارض او انقسامها، بلا اهمية كبيرة في مثل حالتنا، الا اذا عشنا اصلاحا وجدانيا واخلاقيا، ينتج سياسات جديدة ويقصي مجانين السنة والشيعة، ليحفظ ما بقي من آمال السلام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. ابو سجاد

    انا معك فيما تقول ياسيد سرمد الا ان تقول ان الامر يختلف لو قطعت الحكومة الرواتب عن اهل الناصرية فانا لست معك ياسيدي لانك تعلم جيدا مظلومية اهل الناصرية او اهل الجنوب عموما وما لاقوه من ذل وحرمان وقتل من هذه العصابة المنحطة فهؤلاء لايفرقون بين طائفة واخر

  2. د. شيرزاد

    اعتقد ان السيد سرمد لم يقصد الناصرية بخد ذاتها ولو ان ناصريهً اهملت على مده عقود من الحكم البعثي ولكن يقصد ان حكام بغداد الان هم من الشيعه واذا كانت مدينه شيعيه قد وقعت بايدي الدواعش فلحكومه ربما لم تقطع الرواتب للموظفين هناك اي عندنا انقسام طاءفي على الا

  3. ابو سجاد

    انا معك فيما تقول ياسيد سرمد الا ان تقول ان الامر يختلف لو قطعت الحكومة الرواتب عن اهل الناصرية فانا لست معك ياسيدي لانك تعلم جيدا مظلومية اهل الناصرية او اهل الجنوب عموما وما لاقوه من ذل وحرمان وقتل من هذه العصابة المنحطة فهؤلاء لايفرقون بين طائفة واخر

  4. د. شيرزاد

    اعتقد ان السيد سرمد لم يقصد الناصرية بخد ذاتها ولو ان ناصريهً اهملت على مده عقود من الحكم البعثي ولكن يقصد ان حكام بغداد الان هم من الشيعه واذا كانت مدينه شيعيه قد وقعت بايدي الدواعش فلحكومه ربما لم تقطع الرواتب للموظفين هناك اي عندنا انقسام طاءفي على الا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram