لا اريد ان اظلم الصحافة ولا عراقيي الفيسبوك، كثيرا. لكن نحو ٣ مليون نازح، وربما ٣ مليون عراقي يعيشون بلا مرتبات في "مدن داعش"، لا يحظون باهتمام يذكر من قبلنا. والاغرب ان النازحين انفسهم، لم يعودوا يشتكون ولا يتذمرون.
صحافتنا والكتاب في الشأن العام باتوا مشغولين في الغالب عن ما يمر به العراقيون في "دولة" داعش.
كم منا اهتم بشكل جدي بقطع المرتبات عن المقيمين هناك، وهو موضوع ضجت به الصحافة الاجنبية اذ توجد نحو ٤٠٠ الف عائلة عراقية تحت حكم داعش حسب وكالة رويترز صارت محرومة من الرواتب طوال ٤ شهور.
ان الحكومة تحاول ان تحرم داعش من اي مورد مالي، لكنها تخاطر بجعل الناس هناك يقتنعون بأنهم فعلا في "دولة داعش"، وان العراق انتهى ولم يعد له وجود، لا في رؤوسهم ولا على الارض. وهذا الامر لم يحظ بنقاش مناسب لدى الرأي العام. ولكن لو كان داعش قد احتل الناصرية "فرضا"، وقامت الحكومة بقطع الرواتب عن ٤٠٠ الف عائلة، لاختلف الامر ولاخذ حقه من النقاشات.
وهذه التناقضات ليست مجرد اجواء انقسام، بل هي اساليب مختلفة في التدليل على وجود تقسيم فعلي للعراق، داخل وجداننا ومشاعرنا. وهذا التقسيم ليس خطة صهيونية، بل فعل نفسي نحن المسؤولون عنه. لكن الدليل الاكثر غرابة على حصول التقسيم الروحي والوجداني، هو ان النازحين انفسهم توقفوا عن الاستغاثة والشكوى. هل شبعوا وتحسنت نوعيات مساكنهم وتوفرت حمامات نظيفة لبناتهم ومدارس لاطفالهم؟ ام ان النازحين ادركوا "قسوة قلوبنا" وانشغالنا بالذبح والسحل واللعن، فيئسوا ولم يعودوا يأملون من الحكومة او منا شيئا؟
ومن ادلة وقوع هذا التقسيم الروحي للعراق، ان كثيرا من ابناء طائفتي سيردون بالقول: ان قلوب النازحين قاسية ايضا لانهم لم يتعاطفوا مع ضحايا سبايكر..الخ، الخ، في مسلسل النقاش الذي لن ينتهي.
كثير من العراقيين يئسوا من العراق، مجتمعا ودولة، فهاجروا، اما من لم يهاجروا فقد راحوا ينتظرون منقذا روسيا او اميركيا "كل حسب طائفته". وفي مثل هذه الحالات اتذكر ما يقوله صديقنا الكاتب الكردي المثابر ستران عبدالله، الذي يعتقد ان تقسيم العراق ليس هو الخطر الاقصى، بل الخطورة تكمن في عدم امتلاكنا "مبادئ حسن جوار" بين الاقسام التي ستظهر لاحقا. ذلك ان التقسيم لم يحصل على الارض اولاً، بل وقع داخل العقول والارواح، كراهية متواصلة، ورفضا لأي نوع من التسامح، وإصرارا على "شيطنة" الطرف الاخر، وكفراً بالحلول السياسية. وفي مثل هذه الحالة لن يكون سهلا وقف العنف، سواء عشنا في مدن متصارعةداخل بلد واحد، او في بلدان متجاورة يأكل بعضها بعضا.
وحدة الارض او انقسامها، بلا اهمية كبيرة في مثل حالتنا، الا اذا عشنا اصلاحا وجدانيا واخلاقيا، ينتج سياسات جديدة ويقصي مجانين السنة والشيعة، ليحفظ ما بقي من آمال السلام.
تقسيم وجداني للعراق
[post-views]
نشر في: 7 أكتوبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 4
ابو سجاد
انا معك فيما تقول ياسيد سرمد الا ان تقول ان الامر يختلف لو قطعت الحكومة الرواتب عن اهل الناصرية فانا لست معك ياسيدي لانك تعلم جيدا مظلومية اهل الناصرية او اهل الجنوب عموما وما لاقوه من ذل وحرمان وقتل من هذه العصابة المنحطة فهؤلاء لايفرقون بين طائفة واخر
د. شيرزاد
اعتقد ان السيد سرمد لم يقصد الناصرية بخد ذاتها ولو ان ناصريهً اهملت على مده عقود من الحكم البعثي ولكن يقصد ان حكام بغداد الان هم من الشيعه واذا كانت مدينه شيعيه قد وقعت بايدي الدواعش فلحكومه ربما لم تقطع الرواتب للموظفين هناك اي عندنا انقسام طاءفي على الا
ابو سجاد
انا معك فيما تقول ياسيد سرمد الا ان تقول ان الامر يختلف لو قطعت الحكومة الرواتب عن اهل الناصرية فانا لست معك ياسيدي لانك تعلم جيدا مظلومية اهل الناصرية او اهل الجنوب عموما وما لاقوه من ذل وحرمان وقتل من هذه العصابة المنحطة فهؤلاء لايفرقون بين طائفة واخر
د. شيرزاد
اعتقد ان السيد سرمد لم يقصد الناصرية بخد ذاتها ولو ان ناصريهً اهملت على مده عقود من الحكم البعثي ولكن يقصد ان حكام بغداد الان هم من الشيعه واذا كانت مدينه شيعيه قد وقعت بايدي الدواعش فلحكومه ربما لم تقطع الرواتب للموظفين هناك اي عندنا انقسام طاءفي على الا