TOP

جريدة المدى > عام > جماليات مسخ الإنسان– العمى.. من رواية الى فيلم

جماليات مسخ الإنسان– العمى.. من رواية الى فيلم

نشر في: 12 أكتوبر, 2015: 12:01 ص

2-2
ويزعم ساراماغو أنّ ثيمة الرواية تطورت ببساطة، خاصة بعد ما طرحت الرواية هذا السؤال : "ما الذي يحدث لو كنا جميعا أصبنا بالعمى ؟!" بيد أنّ تعقيد هذه الثيمة ناشئ عن علاقة السبب- النتيجة ، لهذا الافتراض، ونتائج وصف المؤلف لبعض الكلمات مثل "مروّع" و "

2-2

ويزعم ساراماغو أنّ ثيمة الرواية تطورت ببساطة، خاصة بعد ما طرحت الرواية هذا السؤال : "ما الذي يحدث لو كنا جميعا أصبنا بالعمى ؟!" بيد أنّ تعقيد هذه الثيمة ناشئ عن علاقة السبب- النتيجة ، لهذا الافتراض، ونتائج وصف المؤلف لبعض الكلمات مثل "مروّع" و "المنطق الحديدي ."

ونرى مثل هذه المفردات في جماليات طاعون كامو ، وسيد الذباب لغولدنع ايضا اللتين قورنت رواية ساراماغو بهما،. ودون تحيز في الكلام ، فإنّ تعميم العمى في رواية ساراماغو هو استعارة سوء الحظ الشخصي الرئيسي والمفاهيم القاسية في الوظائف العامة للمجتمع . إنّها شعارات استعارية في عدم مقدرة الإنسانية على دقة "الملاحظة" كما عبرت عنه شخصية الطبيب بعد أن بدأ العمي يستعيدون بصرهم "لا اعتقد أننا أصبنا بالعمى، اعتقد أننا عمي ، عمي لكنهم يرون ، يرون لكنهم لا يبصرون ، لكنهم في الحقيقة ناس عمي .." هذه التعبيرات تشير الى التناظر الفلسفي الذي يتناغم مع استعارة فلاطون البصرية الشهيرة "رمز الكهف." وعلى كل حال ، هي اكثرمن انعكاس على مفاهيم الإنسان من منظوره الفلسفي ، والإخفاق البايولوجي الموصوف في رواية العمى هو استعارة لتهديد المستقبل الاجتماعي القريب والكارثة الحضارية . وفكرة تحديد تفشي الفايروسات في مدينة معاصرة ومهجورة روحيا في القرن العشرين فمن الواضح أنّها قابلة للايضاح في الرواية وفي الفيلم ، ومدينة ميريليس ، في الحقيقة ، هي اقلاع مركب لمدينة تورنتو ، وطوكيو ، وساوباولو . ويوحي منتقد الفيلم بيتر برادشو أن تبني الفيلم للرواية بهذه الطريقة هو بعيد جدا عن الأهمية .
وينطلق المقطع الختامي لنكهة ساراماغو الغريبة ، عن الرؤية في المدينة ذاتها تماما بعد أربع سنين ، تزامنا مع انتخابات وطنية انتخبت فيها غالبية المدينة برمي اوراق بيض اندلعت فيها فيروسات إرادات العمى الدستورية ، التي شلت الحكومة في مكانها لتبرهن على هشاشة السلطة الديمقراطية الذين استجابوا لها مرة ثانية مع تطويق حجر المدينة . " الغارديان ، العشرون من تشرين الثاني ، 2008"
والحقيقة أنّ مخرج أميركا اللاتينية صنع هذا الفيلم الذي يستحق الاهتمام في السياسة العالمية . - وميريليس سبق له أن اخرج رواية البستاني الوفي Constant Gardiner لجون لي كاريه الى فيلم- لكن المخرج قطع الصلة القوية مع سينما أميركا اللاتينية في القرن الحادي والعشرين ليؤسس مراكز عصرية محلية فضلا عن مواقع متوطنة . على سبيل المثال : مدينة الرب، وغيرها كثيرا من الأفلام الأرجنتينية . كما وصنع الفيلم المستقبلي الذي ينتج في مدن ضخمة مجهولة وهجينة. والإخفاق الانثروبولوجي في العمى يدعونا الى أنّ سيناريوهات المسخ سرعان ما تهدد الحضارة الإنسانية في الشمال والجنوب في كلا نصفي الكرة الارضية: خاصة التوسع والتجانس النسبي المفرط في جميع أنحاء العالم ؛ وتغريب الإنسان والعوز الى التضامن ؛ في أواخر الرأسمالية ، وتأثيرات العولمة والنقص في السياقات الحديثة ؛ والفوضى العامة ؛ ومستقبل الكرة الارضية المجهول . ويبني المخرج البرازلي على هذا كله صمامات الإشارات الإستعارية القوية لمعضلات العالم التي يصفها ساراماغو مع إشارات الى قضايا أميركا اللاتينية . وهكذا ، ومن خلال تهجين مدينة غير مميزة مصنوعة رقميا لمشاهدي فيلم أميركا اللاتينية بالإمكان أن تبقى إشارات لصيغ رواية العمى خاصة الدناءة المحلية للدول المتخلفة ، وبخشونة قاسية كما ينبغي ، وتتحول الى كمية مضافة لهذا الفيلم . كيف تسنى لرواية العمى إذا ، أن تتحول الى تمثيل دقيق لهذه النهايات غير السعيدة ؟ ما هذا الداء على وجه الدقة ؟ هنا ، لا يعيد المخرج ميريليس تأويل الرواية ليجد " إجابات " معقولة . إنّه ببساطة يقدمها للمشاهد بصور دقيقة تمكنه من أن يتخيلها . بيد أنّ القارئ يخفق تماما في إيجاد أساليب لتأويل الإخفاق الذي تتضمنه رواية ساراماغو . من جانبه فإنّ مشاهد الفيلم يترك للاشيء باستثناء الأسئلة الغامضة . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا أحجمت زوجة الطبيب عن كشف المرض الذي أزعج الكثير . وعلى كل حال ، ففي النهاية ، لم يكن فن القصة عائقا بدنيا ، ولا ما قد وصفه الدكتور اندرو ميللر Andrew Miller بباثولوجية الضمير .
وتنتهي الرواية فجأة دون أن تعطينا توضيحا لماذا استعاد العمي نظرهم ؛ أولماذا تحولوا الى عمي بطريقة جمعية مأساوية . هذا الغموض ، يعدّ في الوقت ذاته ضعفا في الرواية ، ويعدّ تماما ايضا ، واحدا من اقوى اللحظات في الفيلم ، وبالتاكيد بحركة حكيمة واحدة حسب ، من المخرج ميريليس الذي بقي وفيا لنهايات رواية ساراماغو . والفيلم هو سلسلة من الصور القوية التي تمثل حقا نهاية الرواية - لقطة ذاتية ، في صورة بانورامية عمودية تظهر لنا سماء ضبابية تملأ الشاشة باكملها- تتضمن تحديق زوجة الطبيب الى المدينة بينما تتمنى في الوقت ذاته إلها حاميا ليظهر لها قدر الناس بعد الكارثة . وفي بدايات الفيلم ، عبرت عن رغبة استمرار المطر في تطهير الأ رض .
لا تدع ذلك يتوقف ، وراحت تدمدم وهي تبحث
في المطبخ عن الصابون والمطهرات ، عن
فرش التنظيف ، اي شيء يمكن أن يستخدم
قليلا للتنظيف ، على الاقل قليلا ، لهذه القذارة
التي لا تحتملها النفس. والجسم ، قالت
ذلك، كما لوانها تصحح هذه الفكرة الميتافيزيقية ،
ثم اضافت، وكل نفس ذائقته.
ومن ثم ، انخفضت أعمدة الكاميرا نحو الأسفل لتظهر مشهد خط سماوي للعاصمة الحديثة تلتقطه من مسافة بعيدة كي لا يظهر الدمار المخفي في الداخل . ويعرف المشاهد ، على كل حال ، البناء الرائع بعيدا ولا شيء غيره باستثناء المقابر العملاقة . وتترك نهاية الفيلم مفتوحة للمشاهد يتذوقها علقما . كما لو انّ صور هذه البنايات الرفيعة التي كانت تمثل الى حد بعيد موت لا يرحم .
إنّ تطور الشاشة الوفية لرواية ساراماغو بأية حال من الأحوال لم تكن مهمة سهلة . فاستعارات "عمى" ساراماغو لمفاهيمنا كمواطنين في هذا العالم ، اصبحت مفاهيم المخرج ميريليس. ففي الرواية على سبيل المثال ، في اللحظة التي " دخلت " فيها الفتاة ذات النظارة السوداء " غرفة فندق للقاء جنسي قديم مسرود بجمالية . تفسر تجربة الذروة الجنسية وبخضوع الى العمي كونها قادرة أن ترى " كل شيء ابيض ." وهذه اللحظة ، يصفها المؤلف أنها " جديدة ونتيجة غير مرئية للسرور ." ولا تترجم بذات الطاقة الإجبارية الى الفيلم . وحدث ذات الشيء مع كثير من المقاطع الأخرى المتلألئة في الرواية . ورغم ذلك ، ابدع المخرج فرناندو ميريليس رؤى قوية تحديدا ولحظات بناء جيدة . ويعدّ اخراج فيلم "مدينة الرب" أحد افلام أميركا اللاتنية المعاصرة والمهمة التي تنجز في جميع انحاء العالم والتي واجهت تحديا كبيرا ، وكان قادرا حسب أن يتغلب جزئيا على حدوده.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المالية النيابية: كلفة استخراج النفط من كردستان تصل 22 دولاراً

في رد رسمي.. محافظ بغداد يرفض قرار الإحالة إلى التقاعد

الدرجات الخاصة المصوت عليهم في البرلمان اليوم

نص قانون التعديل الأول للموازنة الذي أقره مجلس النواب

بالصور| أسواق الشورجة تستعد لإحياء "ليلة زكريا"

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي
عام

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

د. نادية هناوييؤثر الذكاء الاصطناعي في الأدب بما له من نماذج لغوية حديثة وكبيرة، حققت اختراقًا فاعلا في مجال معالجة اللغة ومحاكاة أنماطها المعقدة وبإمكانيات متنوعة وسمات جعلت تلك النماذج اللغوية قادرة على الاسهام...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram