1-5
بدأ الأمر صدفة، ففي عملية بحث قمت بها في العام الماضي في الإنترنيت، لمعرفة ما إذا كانت السيرة الأدبية لغوتة التي كتبها صديقه يوهان بيتر ايكرمان والتي جاءت بعنوان "حوارات مع غوتة في السنوات الأخيرة من حياته"، قد صدرت مترجمة إلى اللغة العربية أم لا، اكتشفت، بأن غوتة وبعد مرور كل هذه السنوات، قرابة 182 سنة على وفاته، لم يُترجم إلى اللغة العربية من النص الأصلي الألماني، إلا نادراً، وخاصة فيما يتعلق بكتابه الأكثر شهرة "آلام الشاب فرتر". نعم؟ بالذات، يوهان فولفغانغ غوتة صاحب "الديوان الغربي الشرقي"، مجموعة القصائد الغنائية تلك التي استوحاها من أعمال الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي، آخر أعمال غوته الشعرية حقيقة، أن غوتة هذا بالذات، الذي تضمن ديوانه مزجاً بين الثقافتين الغربية والشرق أوسطية من حيث اللغة فارسية-ألمانية والديانة إسلام-مسيحية، حتى أنه اهتم بالشعر العربي الجاهلي وخاصة شعر المعلقات، أن غوتة هذا الذي تُرجم له العديد من أعماله إلى اللغة العربية، لكن باستثناء أربعة منها، "هرمان ودوروتيا" و"فاوست" (الاثنان قام بترجمتهما المصري محمد عوض محمد وصدرا في القاهرة عن لجنة التأليف والترجمة والنشر، الأول عام 1949، والثاني عام 1958)، و"غوتس فون برليشنجن" (ترجمة مصطفى ماهر، القاهرة 1975)، و"توركاتو تاسو" (ترجمة عبدالغفار مكاوي، القاهرة عام 1968، دار الكاتب العربي للصباعة والنشر)، اعتمدت كلها في ترجمتها على اللغة الفرنسية؟ لا أريد أن أعيد هنا ما قاله صديق كاتب ألماني، فاجأه سماع الخبر مني، ليتساءل "عن الفرنسية؟ والفرنسيون هم آخر من يفهم غوتة!"، بل سأكتفي بالقول، أية مفارقة، اية مفاجأة شكلها هذا الاكتشاف لي؟ والمفارقة تصبح أكبر، إذا ما عرفنا، أن بعضها نُقل أكثر من مرة إلى اللغة العربية، لكن في كلها عن اللغة الفرنسية، وحده كتابه الرئيسي "آلام الشاب فرتر"، الذي التصق بحياته الأدبية، تُرجم ست مرات، ولا واحدة منها نُقل فيها عن اللغة الألمانية.
ولا حاجة للبحث طويلاً في سيرة المترجمين، إذا كانوا اتقنوا اللغة الألمانية أم لا، لا يهم أن بعضهم سيدعي بأنه ترجم أعماله عن الألمانية، كما في حالة عبدالرحمن بدوي، إذ يكفي القاء نظرة على عنوان الكتاب، أو على الشكل الذي نُقل فيه اسم غوتة، حتى نعرف، أن الترجمة كان من الممكن أن تأتي عن أية لغة، باستثناء اللغة الألمانية، فهو مرة جيتة (عند أحمد حسن الزيات)، أو جان فولفجنج، كما عند نخلة ورد، فيما عنوان الكتاب يصبح مرة "أحزان فرتر"، كما عند أحمد رياض (القاهرة، مطبعة التقدم 1919)، أو "فرتر مأساة غرامية" (ترجمة عمر عبدالعزيز أمين، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر 1961)، رغم أن الطبعة الأولى من الكتاب التي صدرت لنفس المترجم عن دار الجيب القاهرة، عام 1927 حملت عنوان "آلام فرتر". ناهيك عن أسماء الشخصيات والمدن التي تُنقل كلها كما جاءت في الفرنسية، كما اسم حبيبة فرتر، شارلوتة (يصبح: شارلوت)، أو اسم صديق فرتر الذي يكتب له الرسائل فيلهلم (يصبح: وليم)، أو كما يتغير اسم زوج شارلوتة ألبرت (يصبح: ألبير) وهكذا كلها "متفرنسة". ولأن موضوع المقدمة هذه هو ترجمة كتاب "آلام الشاب فرتر"، فإننا معنيون بالحديث عن ترجمة هذا الكتاب في المقام الأول. وسأبداً بالمرور في عمود الأسبوع القادم على الترجمات التي عثرت عليها عن الكتاب الأشهر لغوتة.
* من مقدمة كتاب "آلام فرتر" للألماني لفولغانغ يوهان غوتة، الذي صدر قبل أيام عن دار النشر المصرية (صفصافة) بترجمة الروائي العراقي نجم والي، والتي هي أول ترجمة عربية للكتاب عن لغته الأصلية الألمانية.
يتبع
كل هذه الترجمات.. كل هذه الدهشة في النهاية: لا مقدس يعلو على الحب
[post-views]
نشر في: 27 أكتوبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
أمير عبد العزيز
الأمر نفسه مع روايات ديستويفسكي و تولستوي ؛ فأغلب أعمالهم نُقلت من الفرنسية إلى العربية !
أمير عبد العزيز
الأمر نفسه مع روايات ديستويفسكي و تولستوي ؛ فأغلب أعمالهم نُقلت من الفرنسية إلى العربية !