من سوء طالع رئيس الوزراء ان التاريخ سيقرن اصلاحاته بالكوليرا التي اجتاحت البلاد وانشغل بها العباد اكثر من اي شيء آخر. ولسوء حظ العبادي ايضا ان الكثير من الكتبة والمعلقين احتفلوا باجراءاته بالاصلاحات عبر تناص مغر مع رائعة غارسيا ماركيز "الحب في زمن الكوليرا".
بالفعل فان اصلاحات العبادي ولدت في مناخ يعاني من جملة امراض وعاهات، والكوليرا السياسية هي اكثر هذه الامراض شيوعا، الى جانب الشلل الامني والجلطة المالية والكساح البيروقراطي، والشيزوفرينا الاثنوطائفية.
الانصاف يقتضي عدم كسر الجرة على رأس العبادي المقيد بالف قيد حزبي وسياسي وطائفي واقليمي ودولي. فتحميله لوحده اوضاع البلاد المتردية يجانب الصواب بالتأكيد. لكن رئيس الوزراء يتحمل القسط الاكبر من المسؤولية بحكم رصيد الدعم الكبير الذي بدده، للاسف، في غضون 13 شهرا فقط، الامر الذي وضعه على حافة افلاس محرجة.
فبعد شهرين من اطلاق الاصلاحات بات العبادي معزولا او معتزلا لمحيطه السياسي، فلم يعد يلتقي الا بمستشاريه وبعض الضيوف الاجانب من سفراء معروفين ومبعوثين دوليين. كما وانقطعت صلته بشركائه وحلفائه فضلا عن زملائه في الكتلة والحزب الذي يعيش لحظة انقسامات هي الاقسى في تاريخه.
المعطيات تقول ان العبادي فقد حرارة التأييد الشعبي الذي حصل عليه في لحظة عاطفية، لان ذلك لم يشجعه على تسريع عجلة اصلاحاته متذرعا بالحاجة الى تفويض مليوني وهو الحاصل على 4 آلاف صوت في الانتخابات البرلمانية. لا بل ان التأييد والقبول الشعبيين تحولا الى سخط عام على محاولة تحميل الموظفين والمواطنين مسؤولية الازمة المالية عبر خفض معاشاتهم الشحيحة والمتواضعة قياسا بمعدلات التضخم والغلاء والفقر وتردي الخدمات العامة.
النجف هي الاخرى لم تعد تمنح "صكا على بياض" لشخص خضع لابتزاز وضغوطات الكتل السياسية، وانشغل بمساومات هنا وهناك حرفته عما يريده الشارع والمرجعية الدينية. فالجمعة الماضية شهدت اصطفاف المرجعية الى جانب منتقدي رئيس الحكومة بخصوص سلم الرواتب ورواتب الحشد الشعبي، وهو موقف ذو دلالة واضحة ومؤثرة في التطورات المقبلة.
لقد قضى العبادي، وشركاؤه الغامضون، على اصلاحاته بيده عندما رفع سقف توقعات الشارع الذي كان يتظاهر احتجاجا على الكهرباء. لقد الزم رئيس الوزراء بقائمة اجراءات صعبة التنفيذ، اضاف لها البرلمان قائمة اخرى كانت بمثابة اجهاض تعمدته الكتل الخائفة من خروج صاحبهم عن بيت الطاعة التوافقية.
اكتفى رئيس الحكومة بانصاف الحلول في تعاطيه مع الملفات المعقدة، التي تركها جميعا، بعد يأسه منها، وانشغل بتصميم سلم رواتب تمخض فولد فأراً. فقبل شهرين كان العبادي يتحدث، وبقوة، عن اعادة النظر بـ 4 آلاف منصب رفيع، لكنه اصبح اليوم يتحدث عن 3 ترليون دينار تم توفيرها من نظام المرتبات الجديد. وبعد ان كان يتحدث عن اقالة مزدوجي الجنسية واعتزامه اجراء تغييرات تطال الكبار، بات همه اليوم الحديث عن الازمات كأي محلل سياسي.
ان النقد الذي يوجه لحيدر العبادي مبعثه "الفرصة الذهبية" التي منحته صلاحيات سحرية حملت صقور المشهد السياسي على تأييدها برلمانيا بلا تردد ولا اعتراض. مبعث السخط ينبع من انعدام الرؤية المحدد لمسارات الحزم التي كانت تطلق عبر الفضائيات والسوشيال ميديا.
اذا كانت ولادة الاصلاحات تغري بالحديث عن الحب والكوليرا، فان مآلات الاصلاح المؤلمة تحملنا على الحديث عن ايام العزلة، وقصص الموت المعلنة هذه الايام.
ليس للعبادي من يشاركه
[post-views]
نشر في: 28 أكتوبر, 2015: 09:01 م