TOP

جريدة المدى > عام > جيمس جويس تحت المجهر..حين تكون الذاتُ خاويةً تُنْتِج أدباً ذاوياً

جيمس جويس تحت المجهر..حين تكون الذاتُ خاويةً تُنْتِج أدباً ذاوياً

نشر في: 31 أكتوبر, 2015: 12:01 ص

2-2
 
واذا كان فهم جويس صعباً على المثقف الغربي وهو الذي قرأه بلغة الأصل، الإنكليزية – كما يقول علي الحلي- فأنه لا شك سيكون أصعب لمن يقرأ من المثقفين العرب بالانكليزية، وسيمسي الأمر أكثر صعوبة لقارئي أعمال جويس مترجمة إلى العربية، وإزاء

2-2

 

واذا كان فهم جويس صعباً على المثقف الغربي وهو الذي قرأه بلغة الأصل، الإنكليزية – كما يقول علي الحلي- فأنه لا شك سيكون أصعب لمن يقرأ من المثقفين العرب بالانكليزية، وسيمسي الأمر أكثر صعوبة لقارئي أعمال جويس مترجمة إلى العربية، وإزاء هذه الحال سيكون متعذراً نقل النص الجويسي إلى العربية، مشيداً بما فعلته الأديبة سلمى الخضراء الجيوسي،  وهي تترجم كتاب (الشعر والتجربة) للشاعر الأمريكي أرشيبالد ماكليش (1892-1982)

، والذي ينقل مقاطع من رواية (يقظة فانيكانس) فإن سلمى الجيوسي تثبت أحد فصول هذه الرواية كما وردت بنصها الإنكليزي، إذ لا فائدة من ترجمته، كما تقرر الجيوسي، ويرى الحلي أنها أحسنت صنعاً بهذا التصرف العادل اللائق المسؤول، فلا خيار أمامها، وبخلافه ستكون الترجمة تشرذماً وهرطقة، كما يشيد بالمنهج السليم للروائي والناقد والمترجم الحاذق جبرا إبراهيم جبرا (1920-1994)، حيث ثبت النص الانكليزي لأحد مقاطع رواية (يقظة فنيكانس) لأن النص الإنكليزي يعتمد كليا على براعة جويس في ابتكار لغة شعرية يحاول أن يجعلها لغة الحلم أو لغة الغيبوبة التدريجية ما بين اليقظة والنوم، فيُركب الكلمات أو يُهشمها.
وأرى أن هذا هو السبب الأساس في الإسلوب الطلسمي الذي يكتب فيه جويس ومن ثم يصعب فهمه وتلقيه، فهي كتابة الغيبوبة المُهشمة، فضلاً عن استخدامه لما يشبه اسلوب الجذاذات في كتابة روايته، فهو لا يواصل الكتابة، ويبدو أنه لا يعود إلى ما كتب كي يواصل سرده، بل يعتمد على هذه الجذاذات في ترميم نصه الروائي وهو ما يؤكده الناقد ريتشارد إيلمان قائلاً: ( .. نراه قد دون باختصار قائمة طويلة من العبارات، ووضع خطوطاً تحتها بالوان متباينة، لكي يقدر على تذكر.. في أي فصل كانت مثيرة، في نهاية 1917، ربط جويس الفصول الأولى بالقضية حيث قدّر لها أن تُطبع على الألة الكاتبة وتنشر). تراجع ص23 من الكتاب آنف الذكر.
عمل جويس هذا، في استخدامه للجذاذات، يذكرني بما يفعله اشباه الشعراء، إذ يختار كلمات قافية ما يسمى شعره، ثم يبدأ باختيار الكلام المناسب لهذه القوافي، ولك عزيزي القارئ أن تخمن مدى السخف الذي يدلقه علينا هذا الشويعر، الذي لا روح فيه ولا رائحة، والذي لا يرقى إلى عشر معشار الشعر التعليمي. هناك الكثير من الاكاذيب والفقاعات في حياتنا الثقافية، وجويس من هذه الفقاعات، ولنا من هذه الفقاعات امثلة عديدة، ولا أدل عليها من القصيدة الدادائية التي نصحنا تريستان تزارا(ت/25//12/1963) لكيفيتها قائلاً: خذ جريدة / خذ مقصاً / اختر منها مقالاً له الطول الذي تنويه لقصيدتك / قص باعتناء الكلمات التي يتألف منها المقال ثم ضعها في كيس!! / خضه برفق / أخرج قصاصة تلو قصاصة حسب ترتيب خروجها من الكيس / إستنسخ بنزاهة / ستشبهك القصيدة / وها أنت كاتب في منتهى الاصالة وذو حسية ظريفة وإن لا تفهمها العامة لا تفهمها).
فولكنر متحذلق مثل جويس
وجيمس جويس له شبيه آخر هو وليم فولكنر الروائي الامريكي(1897- 6/ تموز/1962) الذي صدعت رؤوسنا روايته (الصخب والعنف) التي نقلها إلى لغتنا الكبير جبرا إبراهيم جبرا، الذي يصف اداء فولكنر الروائي بـ ( المعقد) إذ يتحول السرد فجأة، ولو كان ذلك وسط الجملة، من الحاضر إلى الماضي، أو من الماضي إلى ما قبله، أومن القول الواعي إلى القول اللاواعي، أو من الحدث الجاري إلى الحدث المتذكر، فأي سرد روائي هذا، الذي يقف حديث الفلسفة أمامه فولكنر متصاغراً؟!!
إنهما يشبهان الفرية والإكذوبة التي فضحها (ألان سوكال) الاستاذ في جامعة نيويورك وقد هاله هذا الطوفان من الأحجيات والمطلسمات، إذ أرسل دراسة محشوة بالمصطلحات المستعصية على الافهام والموغلة بالصياغات المتعالية الموهمة إلى مجلة شهيرة في مدينة نيويورك اسمها (social text) وقد فوجئ سوكال، وكان يظن أن لعبته ستفتضح، فوجئ بنشر الدراسة، في العدد الخامس، الذي خصصته المجلة لدحض الاصوات النقدية المضادة لما بعد الحداثة وللبنيوية الإجتماعية، وإذ نشرت المجلة هذه الدراسة الموهِمة هذه، بادر ألان سوكال إلى كشف حقيقة دراسته هذه، التي لا تعدو كونها مقاطع من مقالات ودراسات لا رابط بينها، فخرست المجلة الحداثية المحترمة!!
وما فعله ألان سوكال، سبق أن فعله الشيخ محمد سلمان الخاقاني وأوقع ناقداً عراقياً مهماً في مطب مؤسف، كما أوقع ألان سوكال مجلة (social Text) في مطب مماثل، إذ وجه إتحاد الادباء في العراق دعوة إلى عدد من كبار شعراء النجف لأحياء أمسية شعرية على قاعة المقر العام للإتحاد ببغداد، في مقدمهم الشاعر الكبير مصطفى جمال الدين (1927-1996)، فضلاً عن صالح الظالمي، ومحمد حسين المحتصر، وما أن علم الشيخ محمد سلمان الخاقاني بهذه الدعوة، حتى هيأ قصيدة مخادعة تشبه دراسة آلان سوكال آنفة الذكر القصيدة الخدعة هيأها الشيخ محمد بالاتفاق مع صديقه كاظم إبراهيم الذي تقرر أن يكون عريف الحفل والتي هي عبارة عن عديد من المصطلحات الاصولية والفقهية والمنطقية، وطفقا يركبان منها جملاً نثرية يرصفانها على شكل القصيدة النثرية، ومن غير أن يُعلما أحداً بفعلتهما هذه .
حين وقع طراد الكبيسي في المطب!
السيد هاني فحص، رجل الدين اللبناني، الأكثر عراقية من كثير من العراقيين والذي درس في حوزة النجف وعاش في العراق والنجف منذ عام 1963، وغادره سنة 1972، هاني فحص الرائع النبيل المولود في قرية جبشيت بالجنوب اللبناني سنة 1946، وغادر الحياة في يوم الخميس الثامن عشر من أيلول سنة 2014، يسرد تفاصيل هذا الحادث، في الجزء الاول من كتابه الرائع والجميل المعنون (ماض لا يمضي. ذكريات ومكونات عراقية) والذي أصدرت مؤسسة (المدى) طبعته الأولى عام 2008، يقول في فصل عنوانه ( العراق متذكراً من دون حروبه ) : "وفي الموعد سافر الجميع إلى بغداد، متفقين على أن السيد كاظم هو عريف الأمسية، والقى السيد مصطفى جمال الدين وصالح الظالمي ومحمد حسين المحتصر شعرهم العمودي، وصعد السيد كاظم ليختم كما هو المفترض، ولكنه قدم الشيخ محمد ليلقي قصيدة حديثة. قال: أما الان فقد جاء دور الشعر الحديث.. فنزل الكلام على رفاقه النجفيين، كالصاعقة، وشرع الشيخ محمد في الالقاء، فوضعوا عيونهم بين أقدامهم، وأخذ نبضهم يتسارع والعرق يبلل وجوههم حرجاً، وصباح اليوم التالي عجَّل الشيخ محمد إلى مكتبة قريبة واشترى الجرائد، وذهب إلى الفندق الذي نام فيه زملاؤه، فارشاً الجرائد أمامهم قائلاً "أنتم غاضبون مني حسداً .. إقرأوا رأي النقاد في شعري، وقرأوا تعليقا للناقد طراد الكبيسي قيم فيه الأمسية معتبراً قصيدة الشيخ محمد الخاقاني، علامة فارقة في الشعر النجفي، ضحكوا معاً من قلوبهم ولم يغفروا له جريمته الجميلة ... تراجع ص135 .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي
عام

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

د. نادية هناوييؤثر الذكاء الاصطناعي في الأدب بما له من نماذج لغوية حديثة وكبيرة، حققت اختراقًا فاعلا في مجال معالجة اللغة ومحاكاة أنماطها المعقدة وبإمكانيات متنوعة وسمات جعلت تلك النماذج اللغوية قادرة على الاسهام...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram