شغلتني هذه المسالة منذ زمن، وكلما شئت اكتب فيها، رأيت ان الناس على وعي يتزايد والثقافة السياسية تتسع وستكشف الايام والاحداث ما توارى خلف غبار الحماسات وهوس الراغبين أو المنتقمين. سيتضح ما خفي في معمعان السياسة مما لا ضرورة له كما ستتضح سبل العيش الآم
شغلتني هذه المسالة منذ زمن، وكلما شئت اكتب فيها، رأيت ان الناس على وعي يتزايد والثقافة السياسية تتسع وستكشف الايام والاحداث ما توارى خلف غبار الحماسات وهوس الراغبين أو المنتقمين. سيتضح ما خفي في معمعان السياسة مما لا ضرورة له كما ستتضح سبل العيش الآمن. المشترك هو السلامة الوطنية.
اليوم احسست بضرورة التنويه أو التنبيه لما قد يكون بعض الناس غافلين عنه ولتذكرة المتقصدين له بخطأ الطريق وانه يؤدي إلى التهلكه أو الضلال. منذ اكثر من ثلاثة عقود والناس تميل لهذا الحزب وتكره ذاك وتميل لذاك عن هذا. وازداد التضاد حتى صار كراهاتٍ مزمنة وعيوبا تصحب الناس في الراحة والعمل. صارت كراهات غيرهم بعضا من مكملات حياتهم!
السؤال: اليست الثقافة السياسية مطلوبة للمثقف العام لكي يعيش بوعي في عصره وبوعي في بلده ولكي تطيب علاقاته مع الناس خدمة لمجموعهم، خدمة وفائدة وخيراً للشعب؟
اذا نحينا الرغبة "اللاثقافية" بالانتفاع والاستحواذ أو الرغبة في قهر أو ازاحة الاخرين، لماذا نكره الافكار؟ الافكار اجتهادات عقلية وتصور حلول. هي فلسفات عمل ورؤى اصلاح. الأفكار، أفكارا، ليست مسؤولة عن اخطاء أو رذائل، أو نوازع حامليها. هي افكار ورؤى هذا الجمع من العراقيين، مثلا، وهذه المنظومة من الافكار لذلك الجمع منهم. كلهم اذن، اعني كل الجماعات والاطراف، يؤمنون بمستقبل افضل للناس ويتمنون لمجتمعهم التقدم. الأفكار ليست مسؤولة عن الكذب والادعاء أو الانحراف من بعد.
مفترض، بحسب الافكار، انهم جميعا لا يختلفون في مسألة الحرية للبلاد والناس؟ وبهذا ليس من حق احد احتكار الأمانة واتهام سواه، ما دام الحديث عن الافكار مكتوبة أو معلنة. ما وراء الأفكار ليس الافكار. والتطبيقات أيضاً ليست افكاراً. هي تطبيقات، هي سلوكات غير سليمة وغير مطابقة للافكار. وفي الواقع العملي، في خوض التجربة، دائما وفي كل جمع ناسٌ يصدقون الله والناس فيما يعلنون وناس منهم يتوارون بفضائل رفاقهم ويفسدون. لا ينجو حزب من كل ذلك ولا دين ولا طائفة ولا حتى فريق عمل!
فلماذا، اذن، انا ضد أو اكره الفكر القومي وهو فكر والتنظيم القومي وهو وراءه فلسفة مثل سواه؟ كما ان الشعور القومي حاضر فاعل مسهم في جميع الثورات وحركات الاصلاح؟ نعم انا ضد التعالي والتمييز العنصري والعرقي والاستفراد بالسلطة واضطهاد الغير أو ادعاء الافضلية والشعور العدواني بالتسيّد على الغير. لكني من ناحية اخرى لست ضد وحدة الامة وحريتها..
ثم لماذا اكون في حال الاعتراض أو الكراهة العدوانية الطاردة للفكر الاسلامي والاسلام دين عظيم خلق امة ومجدا وفيه ما ينفع الناس وما يقنع الكثيرين ويرضيهم؟ الاسلام، فكرا، غير مسؤول عن جرائم أو استحواذات أو انتفاعات أو سرقات أو دعارات افراد يدينون به، اولاء أصلاً غير مؤمنين حقيقيين به والا لارتدعوا، ولما مالت نفوسهم "الطاهرة المؤمنة" إلى الشر و إلى درجة القتل أو السرقة.
ثم لماذا انا ضد الفكر الاشتراكي وهو يقوم على مبادئ خيّرة فيها اسعاد الناس وتوفير اسباب عيشهم وضمان كرامتهم الانسانية؟ هو يدعو للحرية الانسانية والعدالة. لماذا نكرهه، نعاديه، نحارب انصاره؟ نحن ضد الخطأ في التطبيق وضد السلوك المنحرف لبعض من المؤمنين به وضد العدوان على سواهم أو ارغامهم أو التسيد عليهم بحجة افضلية يتصورونها. الشعور بالافضلية الفكرية شعور مشترك عند جميع الاحزاب: اذن يجب ان يكون الاحترام مشتركاً أيضاً.
اما اذا يبست رؤوسنا وظلت الاستهانة بالسوى أو بمن يختلف معنا، فلا امل بعد بحياة آمنة بلا احتراب. سنخسر الاحترام و يخسرون. العصر لا يحترم بعد نزوع التسلط والتحكم بالناس. واستنتاجا من هذا انتهى زمن حكم الحزب الواحد. هو زمن التعدديات بانواعها، العرقية والثقافية والفكرية. ولا يوجد بلد مستقر ويتمتع الشعب فيه بالرضا تحركه ثقافة واحدة. هذا يعني وجود اضطهاد، وبالتاكيد! بلدان الحكم الشمولي الباقية، تعيش اليوم في المرحلة القلقة من تاريخها. وقد بدأت فيها علائم الاستعداد للتحول. هي لا يمكن ان تخالف اتجاه العصر. كل بدائية في العلاقات تنتهي إلى تحضر وانسانية في العمل والسلوك. لا يعقل ان سياسيا غير متحضر. كيف ارتقى للسياسة قبل ان يتثقف؟ قبل ان يكون مدنيا؟ المدنية التهذيب والاحترام للناس والحياة.
لماذا لا يغتنى الفرد بما لدى الاخرين من ثقافة؟ في الاقل يتعرف بمودة لا بكراهة، عليهم ولتكن له بعد ذلك خياراته. شخصيا، انا مع الايجابيات حيث تكون، في جميع الاتجاهات والاحزاب وضد السلبيات في كل منها. الافكار الخيرة و الانسانية فيها يمكن ان تكون افكاري. هي على اختلافها نتاج حيوية العقل السياسي العراقي
وحصيلة ثقافاته.
وهو هذا بلدي وهذه افكار الناس فيه.
نعود إلى ما قلناه، نحن ضد الانحراف الاخلاقي واستغلال الفكر للانتفاع من جهة وللاضرار بالاخرين من جهة اخرى. والا فهي جميعا افكارنا استنتجناها أو تثقفنا بها. لا خلاف على ان لكل فهمه واجتهاده على ان يبعد الضرر والّا تنقله السياسة من الفكر إلى التجارة.
عموما، الافكار السياسية لفئات الشعب، هي بمجموعها تكون الفكر السياسي للشعب ولا اقول تكون السلوك السياسي العراقي وان توافرت في بعض منه. وفي كل من هذه الافكار ايجاب محترم هو حصتنا منها. ونحن حريصون على جانب الخير حيث يكون. هكذا تنتهي الاحترابات وهكذا ننتمي للوطن، لجميع الوطن، وهكذا تحل المحبة بديلا ويكون انتماؤنا الوطني ثقافياً حراً وبوعي!