TOP

جريدة المدى > عام > أرى فعل الكتابة بمثابة حركة تجاه مكامن الاستنارة التي تتطلب قوة و أصالة

أرى فعل الكتابة بمثابة حركة تجاه مكامن الاستنارة التي تتطلب قوة و أصالة

نشر في: 4 نوفمبر, 2015: 12:01 ص

القسم  الثاني من الحوار مع الروائية جويس كارول أوتس
 
هل ثمة من معلم ما الهمك؟• نعم خبرت في حياتي بضعة منهم و أولهم معلمتي الأولى التي كانت امرأة أمازونية ذات سمات بطولية فائقة و كانت تدير مدرسة من ذات الصف الواحد one – class s

القسم  الثاني من الحوار مع الروائية جويس كارول أوتس

 

هل ثمة من معلم ما الهمك؟
• نعم خبرت في حياتي بضعة منهم و أولهم معلمتي الأولى التي كانت امرأة أمازونية ذات سمات بطولية فائقة و كانت تدير مدرسة من ذات الصف الواحد one – class school في نيويورك شمال بافالو و كان من المعتاد تلك الأيام أن تدير امرأة واحدة فقط المدرسة ذات الصف الواحد فكانت تنتبه الى الموقد الذي يحرق الخشب بقدر ما تنتبه الى ثمانية طلبة مختلفي الأعمار و الإمكانيات و الخلفيات الاجتماعية ، و لهذا قلت عنها انها شخصية بطولية ضخمة الجسد و لا زلت أذكرها تماما . كان انجازي المدرسي ممتازا و ازدهرت كنبتة يمكن ان تنشأ في مساحة ضيقة جدا ببطء و صبر لكنها كانت ستدمر ذاتها لو غادرت خارج هذه المساحة المحمية .
× ذكرت ان والدك كان ذا سمات شبيهة ب (ثوريو) . ماذا عن والديك معا ؟ هل شجعاك بطريقة محددة ؟
• ألهمني والداي بمثالهما المشترك فقد نشأ الاثنان وسط ظروف الكساد العظيم و كان عليهما ان يتركا المدرسة و العمل لمساعدة عائلتيهما و لم يكن ثمة بديل عن هذا رغم انهما كانا ذكيين و لامعين و بخاصة والدي الذي كان له شغف عظيم بالكتب و حضر بعد تقاعده دروسا في جامعة بفالو في نيويورك ، لذا ألهمني والداي - رغم أنهما لم ينالا أي تعليم رسمي - بقدرتهما على المرونة و الحفاظ على روحيهما بمعنويات عالية غير قابلة للثلم و بشجاعتهما في مواجهة المصاعب . لن اتحدث كثيرا عن حياتهما الصعبة و لكنهما كانا من النوع الذي لا يقبل الهزيمة ابدا و قد رأيت كثيرين غيرهما ينهارون و يصابون باكتئاب شديد محبط فيلجؤون للكحوليات بسبب الضيق و المصاعب المالية الجمة ، لكن والدي عملا كل ما يتوجب عمله بحياتهما فكان لهما أبلغ الأثر في حياتي اللاحقة.
× أتخيلك الان صغيرة بميول إبداعية واضحة المعالم في حين ان والديك كانا مشغولين بالتزامات الحياة البراغماتية و متطلبات المعيشة اليومية . هل كان ثمة متسع لروحك الإبداعية في المنزل ؟ أ لم ينشأ في المنزل نوع من تصادم القيم الإبداعية و البراغماتية؟
• لطالما كان لدي توق عظيم الى القراءة و الكتابة ، و لكن كان لي دور أؤديه في العائلة فقد كنت أقوم بالكثير من العمل في المنزل و المزرعة و لا زلت أذكر كيف كنت استخدم الجزازة اليدوية تلك الأيام لذا ليس بمقدوري القول انني كنت روحا حرة خالصة تحلق في عوالم الابداع ،،، كلا لم اكن هكذا و كنت اسلك كاي فرد في عائلة تدير مزرعة ، و كل ما كنت احوزه آنذاك هو فسحة من خيال شخصي و فسحة من فضاء أتاحت لي التعامل مع خيالي الشخصي.
× هل راودك شعور يوما ما بانك تختلفين عن الأطفال الاخرين؟
• من الصعب ان نقارن أنفسنا بأخرين فكل منا له سماته الشخصية التي تختلف عن الاخرين . كنت أشعر بعض الأحيان أنني كائن حيادي الى حد أنني لا املك شخصية ما خاصة بي ، و ربما كان هذا ما يفسر جزئيا ميلي الى الكتابة لانها كما أرى عملية تنطوي على محاكاة فعل ما : أن تصف مثلا مشهدا يثيرك عاطفيا و تحاول نقله الى جعبة قارئ باستخدام لغة تثير فيه نفس الفيض العاطفي الذي اثارته فيك . وجدت دوما أنني أحب العالم الذي يحيط بي و احبت الكتابة لانها تتيح لي نقل تجاربي المدهشة الى الأخرين و لا زلت أرى نفسي وسيطا محايدا او شفافا في عملية الكتابة . لست أعلم تماما أذا كنت أرى نفسي مختلفة عن الاخرين و ربما ليس لاي منا شخصية خاصة به ليقارنها بالاخرين و ربما كان الناس يخترعون شخصيات مفترضة لانفسهم في السياق الذي يجدون فيه انفسهم.
× هل واجهتك معوقات كبيرة و انت ترسخين اسمك ككاتبة؟
• اواجه معوقات صغيرة كل يوم في حياتي . لدي صديق كاتب في جامعة برينستون التي أعمل فيها يدعى ( جون ماكفي ) اعتاد على القول ان كل كاتب يصاب بما يشبه الانهيار العصبي الصغير في وقت ما من منتصف الصباح و لكنه مع هذا يمضي قدما . استطيع ان اعلق على الرؤية الكامنة وراء قول صديقي الكاتب : أرى كل يوم في حياتي بمثابة صخرة هائلة يتوجب علي رفعها الى اعلى التل و بينما أرفعها قليلا كل يوم اراها ترتد علي قليلا أيضا لكنني استمر بدفعها كل يوم . لدي حساسية مطبوعة في ذهني تجاه الفشل لأي سبب محدد و برغم ذلك اقتربت من الفشل مرات عدة و قد كتبت في هذا الكثير و لدي تعاطف شخصي عظيم مع هذه الموضوعة لانني أرى فعل الكتابة بمثابة حركة تجاه مكامن الاستنارة التي تتطلب قوة و أصالة .
× هل مر عليك يوم شعرت فيه برغبة في الاستسلام؟
• شعرت بهذه الرغبة مرات عدة و يصعب علي الحديث عن تجربة كهذه لان من العسير للغاية نقل عواطفك الى الاخرين في تلك الحالات . عندما يتكلم المرء بطريقة استرجاعية عن حادثة ما يبدو انه يدير دفة الأمور جيدا و لكنه في خضم الحادثة يبدو الأمر مختلفا تماما اذ ليس ثمة من تحكم ما في الأمر.
× تبدو موضوعات كتبك متباينة كثيرا و تتوزع على طيف واسع من الاهتمامات . هل تقومين بالكثير من البحث قبل كتابة أي كتاب ؟ هل تجدين نفسك ميالة للبحث؟
• أحب القيام بالكثير من البحث قبل الكتابة ، لكن دعني أوضح : لو كنت أكتب مثلا قصة قصيرة مثل ( المياه السوداء ) التي كتبتها مدفوعة بحادثة اغتيال كنيدي عام 1969 سأكتب الرواية مباشرة لانها مقيدة في حدود مائتي صفحة و اعتمد فيها على الذاكرة و العاطفة المثارتين بفعل حادثة الاغتيال ، و يمكن لي لاحقا القيام ببحث او تدقيق لان البحث الاولي سيكون تشتيتا للقدرة على الكتابة لأن الكتابة في الأساس فعل مدفوع بدافع عاطفي ، اما اذا كانت الرواية كبيرة الحجم فأقوم بعمل البحث بالتزامن مع كتابة الرواية.
× كيف تصفين خطواتك في عملية الانتقال من الفكرة الأولية الى المنتج المكتمل؟
• ليس من وسيلة لتوصيف الخطوات في الانتقال من الفكرة غير المكتملة و حتى ظهور العمل النهائي و قد تستغرقنا العملية سنوات من الجهد . ان تكتب رواية يعني أن عناصر كثيرة تشترك في العمل مثلما تجد جداول فرعية طريقها لتصب في النهر و انت في النهاية ترى النهر كلا متجانسا و لكنك لا تشعر انه تكون من عدد غير معلوم من الجداول الفرعية . أجد من الصعوبة للغاية الحديث عن هكذا امر أو ظاهرة شديدة التعقيد و أراها نوعا من الاعصار الضارب الذي يستعصي على أي توصيفات و لو كانت لدي فكرة ما عن هذه الظاهرة فلن تكون كافية تماما و ينبغي تعزيزها بشئ من اللاشعور أو شيء من العاطفة المدعمة بحس درامي . سأقول لك شيئا لتوضيح ما أقصد بهذا : أردت يوما ما الكتابة عن شخص ما أتهم خطا بجريمة ما و ربما سيقوده هذا الاتهام الى السجن ، و ان أولاده يرون فيه انسانا بريئا و هم على استعداد كامل لفدائه ، و قد فكرت في الكتابة عن هكذا رواية لسنوات و لكن ما ان بدات في كتابة الرواية حتى وجدت انها اتخذت مسارا اخر غير هذا الذي وصفت و غدت مختلفة عنه تماما . أتذكر طبعا كيف ولدت فكرة الرواية و ليس بالإمكان كتابة أية رواية بلا تفكر عميق في فكرتها الأساسية حتى لو اختلف المسار لاحقا عما كنت قد خططت له في البدء . هذه ديناميكية معقدة لا افهم كيف تحصل .
× ما الذي تعدينه اللحظة الأكثر اثارة للدهشة في مهنتك؟
ربما لم تأت هذه اللحظة بعد و لست واثقة اذا كانت ستاتي أم لا و حياتي ذات طابع جواني و مستوحد و لا أولي اهتماما كبيرا للأشياء القابعة في العالم الخارجي من حولي . أكون في غاية السعادة عندما ننطلق انا و زوجي راكضين كل يوم و عندما أكون بين أحضان الطبيعة حيث اشعر بذلك السلام الشامل يغمرني و يملأ كياني ، و انا شخص نشط لابعد حد يمكن تصوره و يبدو ان فعالياتي الايضية metabolism تكون في أنشط حالاتها عندما اعدو لا عندما أكون ساكنة . يمكنني القول ان افضل اوقاتي هي تلك التي اتفرد فيها مع نفسي أو عندما أكون مع زوجي في الطبيعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

"كِينْزُو تَانْغَا"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5842-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

د. خالد السلطانيمعمار وأكاديميعندما يذكر اسم "كينزو تانغا" (1913 - 2005) Kenzō Tange، تحضر "العمارة اليابانية" مباشرة في الفكر وفي الذاكرة، فهذا المعمار المجدـ استطاع عبر عمل استمر عقوداً من السنين المثمرة ان يمنح العمارة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram