هاجسهو ذلك السؤالُ الموشومُ على لسانِ جدتي التي كانتْ تنفثهُ بجملها العاصفةِ لاهثةً بمكاشفتي عما تحفظهُ ذاكرةُ اليومِ من عبثٍ يقترفُ بقصدٍ او بغير القصدِ ، غالباً ما كانتْ عيناي منكبهً نحوها تعتزمُ الصراخ بوجهها من شدة الغضب ،لكن شيئاً ما يمنعُني من
هاجس
هو ذلك السؤالُ الموشومُ على لسانِ جدتي التي كانتْ تنفثهُ بجملها العاصفةِ لاهثةً بمكاشفتي عما تحفظهُ ذاكرةُ اليومِ من عبثٍ يقترفُ بقصدٍ او بغير القصدِ ، غالباً ما كانتْ عيناي منكبهً نحوها تعتزمُ الصراخ بوجهها من شدة الغضب ،لكن شيئاً ما يمنعُني من ردها لأتركها واذهب للنومِ لاعناً شيخوخة العمرِ التي تجعُلها لا تأبهُ من الثرثرةِ ليستحوذَني صبري دون أنْ يندّ عني ايُّ صوتٍ يحقنُ الفضاء بصدىً مسموع على اعتبارِ أنّ للصمتِ بلاغةً يعجزُ عنها أساطينُ اللغو، لكن استفاقة الضجرِ الناتجة من تصوراتها غير الصحيحةِ وخوفها وحرصها الدائمينِ بأنْ لاتخسرني كما خسرت والديّ بانفجارِ عبوةٍ لاصقةٍ كانتْ موضوعةً لهما في السيارةِ الشخصيةِ جعلني أعُطي لها الحق الكثير وانْ لا أجادلها أبدا لأحتمل هراواتِ الكلامِ الممضةِ التي اذكتْ سطوتها عليّ على الرغمِ من أني آثرتُ السكوت كمداً كمن يحفرُ الأرضَ بأظلافهِ مشروطاً بعدم التذمرِ ، بل أن هاجساً كان يداخلُني عن كيفيةِ استبصارِها بعبثي او ما أجني من ترَهات .. هل انها تحفظُني جدا لأُصبحَ متاحاً لها؟... او ان اعتقاداتها بأمورٍ غاية بالغرابةِ قوّضتْ من أفكارِها وجعلتْها تتأكدُ مما تعتقد .... يالله ، لطالما كانت تقولُ لي إن اللهَ جعل من ظلاِلنا غفراً علينا فاهنأ ولا تتمادَ بالعبث... اضحكُ في سري كثيراً، ما الذي تقولهُ هذهِ العجوزُ ، وإذا صحّ ما تقولهُ فلماذا كل هذه الفوضى التي ننغمسُ بها في وضح النهار؟ ، آه لو أن ظلاَلنا تُبيحُ مسخنا جهراً لما تمادينا بالخطأِ . فكرتُ مرارا بهذا الكلام محاولا القدرةَ على أن اقتنعَ بغيرِ المُقنعِ ، لأسايرها فيما تدّعي من أنّ ظلي يقربُني جدا ويفضحُ شيطنتي... استأذنهُ أحيانا لممارسةِ نفسي لكنهُ كان يربأ إلا ان يبوح لها... ارقُبهُ يخفتُ خجلاً إمعانا لمصدر يقظتِهِ الرابضةِ في شرفةِ الكونِ غير أنني لم اكتم غيضاً لمغادرتِهِ محاولاً الحدَّ من تحليلاتِها المجانيةِ :
- ياجدةُ ياجدةُ قد أوصدت السماءُ بابَها وتوارتْ شمسُها في مزاغلَ بعيدةٍ من هناك ساحبةً معها مخبرها المعلن ... لا اعرفُ وانا متسمر أمامها محاولا انتزاع ما تقولُهُ ، تذكرتُ أستاذا لي في علم التأويل وهو يحدثُنا عن براثنِ القبحِ التي باتت تنخرُ في مجتمعاتِنا العربيةِ "النور الذي أضاء جانبا معينا من الكونِ لايُولّي دبرهُ عن الجانبِ الآخر منهُ ، كم مصدرٍ من النورِ نبتغي لبيان أخطائنا" ضحكتُ كثيرا وانا أتمعنُ بمسرى النور الذي اضحى فقيرا جدا لربما هنالك حفيدٌ على جانبٍ أخرَ من الكونِ أسرف بالعبثِ ، حمدت الله على كلَّ شيءٍ لأستفيق على صراخها المتئد وهي تتعكزُ على توبيخي .
تنقيب
- مَنْ يدلُني عليّ سوفَ اهتاجُ فرحاً وأشركهُ في كعكةِ العيدِ التي تصنعُها جدتي ، هذا هوَ رهاني لكمْ .. لم اعتدْ على كبتِ مشاعري المتمخضةِ الى براكينَ مترعةٍ بلماذاتٍ تلسعُني متى ما ساقتْني مخيلتي للبوحِ عن مكنونِ الوجعِ المتنامي بنموِنا غيرِ المدبرِ لهُ ، لكم تطوعتُ كثيراً أنْ اعثرَ على سرّ هذا العذاب الذي تتصاعدُ وتيرتهُ بتهافتِ الأيامِ الموصدةِ ولكنّ الحصيلةُ جعلتْني لا أتمادى بالتفكيرِ كثيراً حتى أدّخرَ ما تبقى مني او من علبةِ السكائرِ لهمًّ آخرَ ، أينَ المفرُ ؟ لطالما ارددُ هذهِ العبارة وانا أتذكرُ صديقي (غافل) الذي وشوش لي ذاتَ صباحٍ هرمٍ خارجاً من عتمةِ هذا التهكم أنّ ما يختلجُكَ من سوادٍ حاول أنْ تودعهُ بمفكرتك الشخصية وتلقي به طيَّ الحرمانِ عن أيّ شخصٍ غيرِكَ وإلا تُودعُ في إحدى أركانِ الأمنِ العامةِ إنْ لم تروضْ لسانَكَ على عدمِ الإدلاءِ بما تضمر، المشكلةُ أنّ مفكرتي قدْ انتهتْ بانتهاءِ السنة الأولى من حياتي وما زال لفاعُ الكلمِ الأسودِ متأبطاً زمام الجدوى خاطاً بأذيالهِ وهج الروح الملتهبةِ ليسترق لساني خلسةً للبوحِ عمّا يجولُ بداخلي فيكبر ويكبر عابراً اسيجة الصمتِ الأزلية ، لن أتناسى غافل ذلك الذي لم يغفلُ عن الحقيقةِ أبداً بل لم تغفلهُ هي مدوناً ما التهبت كينونةُ من ظلمٍ بأفكارٍ زانيةٍ –كما عدّتها السلطةُ وقتئذٍ- تمثلُ الإساءة لها ولم نعرف عنهُ أيّ شيءٍ لحدِ هذهِ اللحظةِ ، مازلتُ أمارسُ الزعيقَ عالياً بقلمي المعبأِ ألماً وأجوبُ مساحة الورقةِ التي قدْ لاتسوعبُ المسخ الذي نعيشهُ مبادراً بانْ اذرعَ مساحةً أخرى لأبدأ بتعفيرِ جبينِها علّها تودعني الى مكانٍ لايجيدُ التسكع بانتكاساتِنا واخذ مهدآتِ الليل ، ما زلت يا غافلُ ابحثُ عنّي كثيراً علّني اقتصُّ من الضواري والعسس الذين جعلوا من مؤخراتِنا تجيدُ النظر لمدياتٍ ابعد مما نتصورُ ، لا تقلْ ياصديقي كنْ كالأرض لا تبيحُ سرّاً لأيًّ كان فالأرضُ ما عادت تحفظُ خطانا فكيف بنا ان نستأمنها علينا ، اجَل ما أخشاهُ ان خلل السواد المتصاعد من دواخِلنا يتمادى بالصعودِ عالياً لتصبح سماءً ثامنةً لا نلوذُ بغيرِها في حين أنني أشاطرُ نفسي وادللُ برهاناً انسحب لأجيالٍ متواليةٍ لاهثين بالتنقيبِ عنّي بين ركامِ الأزمنةِ المتناثر على أملِ الظفرِ بالكعكةِ بالرغمِ من أن جدتي قدْ التحقتْ بركبِ النائمين طويلاً .