اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > متواليات الموت في مسرحيّة Track A4..سوسيولوجيا تأريخ خسارات الروح

متواليات الموت في مسرحيّة Track A4..سوسيولوجيا تأريخ خسارات الروح

نشر في: 10 نوفمبر, 2015: 12:01 ص

تسمو الظاهرة الجماليّة -بمجمل تفرّعاتها الفكريّة والنفسيّة- بقدرات بسط هيمنتها وإستحالة عزلها عن كل ما إجترحته تجلّيات الفلسفة عبر مراحل خلاصات سعيها في تطوير الفكر الإنساني،وتقدُمات تخُصصاتها نحو مجالات أرحب في تضيّق مساحات البحث،كسباً للوقت وتعزيزا

تسمو الظاهرة الجماليّة -بمجمل تفرّعاتها الفكريّة والنفسيّة- بقدرات بسط هيمنتها وإستحالة عزلها عن كل ما إجترحته تجلّيات الفلسفة عبر مراحل خلاصات سعيها في تطوير الفكر الإنساني،وتقدُمات تخُصصاتها نحو مجالات أرحب في تضيّق مساحات البحث،كسباً للوقت وتعزيزاً لمسارات المعرفة في ثنايا تلك التخصُصات،التي مهّدت لتأطير عناصر التفكير العملي في حوافل ثلاث مَلكات ذهنيّة،متمثلةً ب(المنطق)(الحدس)(المخيّلة).

من هنا سنجدها(العناصر) تتشوّف نواتجها في مرآيا وتطلعات التعبير،كوني النشاط المادي والتحفيزي الأكثر زهواً و وثوقاُ في تلبيّة جميع الرغبات والأحلام وتلاقي الأفكار وتوارد الأحاسيس ومُنعُشات المشاعر والخواطر التي تملأ روح الإنسان مهما لامَسها الحزن أو توغل فيها الألم، وأستبّدت بها الظنون وإكتظاظ الهواجس.
في تجربة إحترافيّة أخرى تَطالُها تطلعات المخرج(حليم هاتف)،بعد تساوق بهاء نجاحاته البصَريّة والجماليّة والفكريّة في مسرحيّة (ملف مغلق) التي قدّمتها فرقة مسرح محافظة الديوانية على خشبة المسرح الوطني ضمن أعمال مهرجان بغداد المسرحي الأول ضد الإرهاب في حزيران/2015،يستحث (حليم) تنويعات ذاته على توريد جملة من إستشعارات تحريضيّة،أتخذت من موضوعة الموت،منطلقاً دفاعياُ في تثبيت مساند قِيّم الحياة وقدسيتها لدى الإنسان وخصوصياته في صُنع حاضره وتبني ما تضمن له قيّم المستقبل،فقد شهد مسرح الرافدين ببغداد أيلول هذا العام-أيضا- عرض مسرحيته التي حملت عنواناً توثيقياً من حيث وفرة المعنى وتماسك روح الدلالة فيه،فربما يفضي أنسبٍ تعريف أو ترجمةٍ لمصطلح(Track A4)إلى(المسار الرابع)-وهذا هو عنوان المسرحية بقصدية مؤلفها ومخرجها(هاتف) بإمتاعية تفاعل تجسيد متميز الإداء والشدّ من لدن الممثلة(فاطمة جودت)و الممثل(محمد الكناني)في حومة تبارٍ درامي متناغم أجاد في بث مشاعر وأحاسيس من مخاوف حزن وإلتياعات متفاقمة،عمّقت من مناسيب ودواعي تراكمات ما تركته تفرّعات هموم الوجع العراقي،فما بين قصة حبٍّ ناقصة في حياة زوجيّن وطفل يموت غرقاً في بحر الغربة والبحث عن مأمن أو خلاص،الأب مُتشبثاً بأرض الوطن،والذي لا يكاد يفارق الخمر والقصائد والأغاني والسهر والتناسي مع ثلة أصدقاء مُحبطين،والأم عاشقة لحبيبها وأبنها الوحيد وهما في طريقهما عبر هيجان وغضب البحر الغامض والمجهول الذي أودى به،نذراً وقرباناُ خاسراً،لتلك العلاقة الأسريّة الضائعة في عراق الأوجاع والمسرات المفقودة،جراء حياة أصابها حمى الإحساس بالهجرة والرحيل حلاً لخلاص مُجبر ومحتوم.
يُلزم أي شرح وتعريض لأي نص سردي قرائي، كان أم عرض مسرحي ،نوعاً من حذر مُبررّ ينوء بحمل تثمين لغة التواصل ما بين المتلقي،ومابين ذاتيات النص وتعميقاته التحُسسيّة لكل لحظة أو مشهد يمرّ أو يتخاطف فعلاُ درامياُ،أو حواراُ تثويريّاُ لمكملات تلك الأفعال والصراعات المتصاعدة عبر تخاطرات خطوطها التوليديّة،فقد سعى مخرج- مؤلف هذا العمل المتراص بأنفاس بطليّه(الزوج والزوجة) الى جعل كل واحدٍ منهم يتحدّث مع الحقائب التي غصّت وغطتّ مساحات الخشبة،فضلاً عن عربات قطار متجه للمجهول-بحتمية فرضيّة صابع العرض وقائده،في الإبقاء على أبطاله لا يلتقيان طوال مدة العرض،في معادلة واعيةٍ،مشفوعةٍ بذكاء تفويض لغة الحوار المقطوع الذي لا يُوصل لضفة حقيقية تربط ما بين عالمين مختلفين(جغرافيّاً)،حميميّن،متصليّن بحبل سريّ محموم جراء وطأة وجع مبرح(نفسيّاً)راح يجلد عقيرة عاشقين،متباعدين جسدياًّ، ويتحاوران روحياً،وتلك مهارة إستخلاصيّة لجوهر التلويح بالضياع والتشتيت،تُمثّل نسقاً تضمينياً توائم وبلاغة كتابة ضوئية حفلت بها (سينوغرافيا)حاذقة ومؤثرة بَرع فيها(علي السوداني)في خلق منظومة ضوء ناطقة تُقايض حديث مرئي مُوشّى بإحساس صمت بليغ،جاءتناسق وموسيقى معبرّةً صاغها نوازعها(علي الساهر).
لم يحدّ المخرج من تهويمات بطلته كشخصيّة المبدعة(فاطمة جودت)منفردة بهمومها،بل سعى لإستحضار رهطٍ من نساء منكوبات،نائحات يطالبن بمصير وعودة أولادهن مستخداماً معادلاً صورياً للعباءة العراقيّة،جُهد بالتمهيد لها دلاليّاٍ وجماليّاً في تعميد فكرته على مسارٍ يُزيد عن أكثر من عشرين عباءة،تفاوج يرتفع قسم منها عن الأرض،ولآخر عُمد لثبّتها لكي يغطي بها الممثل المدهش(محمد الكناني) الحقائب المتناثرة على خشبة العرض،والتي سرعان ما تتحول كل تلك الحقائب الى أمهاتٍ مُبتلياتً بفقدان فذات قلوبهن،لا يكفنّ عن اللطم بطريقة درامية بارعة في تعميق ثراء،تلك لحظات الداميّة من محنة ذلك العزاء الكونيّ ،ليلجأ المخرج-بعدها- الى تحويل نساءه الى (مانيكانات)،في متن خاطرة تحليليّة نابغة،تؤكد فعل الحدس،وتعزز من مخيّلة وعيه،ودفق تحسساته الإبداعية على نحو يماثل الإبتكار والتوليد المُثمر الذي يعاضد المنطق المفترض لمتواليات ومعادلات الموت،ذلك الذي تفانى من أجله تعميقاُ فكرة متواليات(Track A4 )،مُرتهناً- بميل واضح- لنزعة فلسفيّة معاصرة يرى فيها أحد المنظرّين الحداثويين؛بأن المشكلة الكبرى في الحياة الخاصة هي الموت بوصفه فقدان الذات،ولمن يتساءل عن ما هية الذات،لا يتوانى بأن يجيب،على إنها خلاصة لكل ما تتّذكره الذات، وأن ما يرعبنا في الموت،ليس فقدان المستقبل ،بل ضياع الماضي،وأن النسيان ما هو إلأ شكلٍ من أشكال الموت.
(منذ أن أوكلنا تنبؤاتنا إلى الآلات،فقدت التنبؤات نفسها كل قيمة ... وكلّما أنقسمنا على أنفسنا، مفوّضين أمرنا إلى جهات خالية من الحياة،ضَعفت سيطرتنا على ما يحدث.!) يشي هذا القول-وهو للكاتب البلغاري وعِالم الكيمياء(إلياس كانيتي)الحاصل على نوبل للآداب/1981- بضخ الكثير من مُحبِطات ما حمل الإنسان من مزايا ميراث خساراته الكونيّة واليوميّة على حدٍرسواء،والمُثقلة بفيوضات توجّسات ظنون ومخاوف وتعثرّ أحلام مرتبكات،وتطلعات تبد أكثر إرتباكاً وشذوذاً عن المنطق الذي يحكم علاقات البحث والتلاقي ما بين الواقع والحلم،كما يتمثّل قدراً ساخطاً في مسلمات وبنية عمل (حليم هاتف)،الذي ظل محكوماً بنوازع فرديّن، يُلخصّان مناحي تفكير الكثير من الحالمين بالحريّة المساويّة لقيمة المغامرة،التي لخّصها الشاعر(فوزي كريم) بقوله؛(العابر بحراُ... بحثاُ عن ضفة اخرى ... قد يفقدُ ضِفتين).
تتشابه أقدار بطلّي هذا العمل،مثلما الكثير من تشابهات وجعنا العراقي،لكن المخرج(هاتف) الذي عَهد التأليف إليه كمسعي يقرّب من نبل خطاباته،وتزايد من لمعان وهج تلك العذابات،المُوغلة بتكاتفات حزن متوارث،أضحى يتجددّ ويعتمد على أنساق تحديثيّة كالتي صاغها أو أختارها النص-بالتالي من رُحى إقتباسات شعريّة،حافلة بالرفض والتمني،ولنقطع مسافة هذا الزعم-مثالاً حيّاً- ونقرأ بصوت مسموع ما تقول الزوجة في مستهل إستذكارٍ مقنع،لمحافل ما حوى الحوار الداخلي (الديالوج)من مناخ درامي،توارد مقتبساً من مصوغات الكاتب المسرحي(علي عبد النبي الزيدي): (أريد وطناً ليس فيه حرب وموت ولا دمار ... ولا أطفال تتقّطع الى أوصال)،يَحكم الكلام المُحكم بعناية وعي وسلامة تفكيرٍ أغرى ذائقة المخرج،مُتباهياّ بالحوارت،كما هو تباهيه بالصورة وحكمة الضوء وجلال الموسيقى،وصدق عمق براعة التمثيل المُقنع ل(فاطمة)و(الكناني محمد)،ولتكمل المرأة صراخات توسلاتها:(أريد ان أعيش في بلدٍ ... دون نشيد حرب لا وطني ... ولا ديني، أريد دينناُ جميلاً لا أخاف من تفسير قرانه،ولا أختلف مع أحدٍ في تفسير آياته... دينا يقص علينا أ،حسن القصص لا بنادق،ولا سيوف... دينناً أُصلي به متى أشاء... وأصوم من أجل الفقراء... أريد وطنناً يغطيني بلحاف عطفيه حين أبرد)
وأذ نسوق عمق ورهافة هذه الحوارات، إنمّا نبغي تمهيداً للتاشير على مقدار ملكات من يطوّع وزن الكلام الى صورة واثقة قوامها الرفض و الإستنكار في مرد تهميش المرأة،في مستهل تحريضيّ يحاجج إرتداء المرأة للحجاب من كونه يمثل إيقونةً، ربما ...عززّت من تشويه مفاتنها وسّر جمالها وجعلت من كل النساء ايقونة واحدة،بفرض تحليل يحايث دواعي معادلات ما أرد (حليم هاتف) في مخلص عرض مبهر،بدأ بدعوتنا من خلال تذكرة دخول غير تقليديّة لمسرحيته،جاءت على شكل تذكرة سفرٍ على متن قطار،أو طائرة،حفلت بتحقيقّ تأثيرٍ نفسي مغايرٍ أوحى للمشاهد الذي حصل على نسخة من هذه التذكرة،بانه مسافر على متن قطار أو سفينة او طائرة،لفحوى ودعوة انتظارٍ... لم يعد لغودو...(صاموئيل بيكت)،أية علاقةٍ به،سوى مس لا جدوى الإنتظار نفسه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram