ذات يوم من أيام 2008 اختنقت بغداد بدخان المفخخات على مسمع اهل الخضراء الذين يبدو ان الدخان صار يزعجهم. وبينما كان الشعب في العاصمة يئن من وقع الفواجع خرج الناطق الحكومي، او وزير الناطقية كما كان يحب لنفسه ان يسمى في آنها، بلقاء تلفزيوني طارحا فكرة جعل بغداد خالية من التدخين. رغم المرارة ضحكنا من الناطق الفايخ دوما. الدنيا وين وذوله وين!
مثل هذا التفكير لو دققتم به جيدا يكشف عن خلل عميق في عقول من تصدروا لبناء الدولة. النتيجة انهم فلّشوها. كل قرار او قانون تتحكم البلادة في إصداره سيكون ثمنه كارثيا. وبلادة اية خطوة سياسية او قانونية يكشفها التوقيت. فلو كانت بغداد مثل لندن آمنة هادئة وشوارعها كصحن مرمر، فليقل أبو الناطقية قوله. لكنها لو كانت سماؤها قطعة من دخان التفجيرات وهواؤها يعطّ برائحة الموت فما الذي تقولونه في حكومة تجاهلت الدم والدموع والحرائق وصار تفكر بمنع تدخين السجائر؟
قلنا تلك مرحلة حكم همجية قد ولّت بغبائها وبلادة أصحابها ونحن أولاد اليوم كما يقال. الواقع المر يثبت ان تلك المرحلة كانت زلزالا سوف لن نتخلص من توابعه. تفضلوا وطالعوا قانون "البطاقة الوطنية" الذي اقره مجلس النواب مؤخرا. جاء البيان في وقت يسعى فيه الدواعش ومن لف لفهم من الطائفيين والعنصريين والتكفيريين لطمس الهوية الوطنية العراقية بدءا من جزّ الرقاب الى تفليش الآثار. حملات تهجير وسبي لإفراغ العراق من أجمل مكوناته الاثنية والدينية. كاد العراق ان يفرغ من المسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين. كان على البرلمان ان يفكر ليل نهار بإصدار قوانين تحمي هذه الأقليات التي من دونها سيتغير لون العراق وطعمه. لم يضع ذلك بحسابه بل تصرف وكأنه يعين الدواعش على تحقيق حلمهم في افراغ العراق من أبناء الديانات غير الإسلامية. بربكم أهذا وقت مناسب لأن يقر البرلمان فقرة تقول "يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين"؟!
وتفضلوا أغاتي. العالم هاج علينا مجددا. بطريرك الكلدان في العراق والعالم رفع نداء جاء فيه "لقد كنا نأمل أن يتفهم اعضاء مجلس النواب أن الدين علاقة بين الانسان وربه ولا اكراه فيه"، وأضاف "قدمنا طلبا بتعديل القانون قبل أشهر الى مجلس النواب العراقي لسعينا الى تحقيق العدالة والمساواة لكن جاء قرارهم مجحفاً بحق الاقليات غير المسلمة".
كرّة عين الدواعش!