TOP

جريدة المدى > عام > عبد الجبار الدراجي.. رحل بعد أن أودع قارورة ألحانه التاريخ

عبد الجبار الدراجي.. رحل بعد أن أودع قارورة ألحانه التاريخ

نشر في: 14 نوفمبر, 2015: 12:01 ص

"هُدوءاً فالدموع لها أنحدارُ"هكذا غادرنا المطرب الريفي الكبير عبد الجبار الدراجي إلى مثواه الأخير يوم الاربعاء الموافق 28/10/2015 عن عمر ناهز الثمانين بعد ان توفي في احد مستشفيات الاردن.
وبفقده فقدت الاوساط الثقافية ، ومنها الفنية والموسيقية فناناً

"هُدوءاً فالدموع لها أنحدارُ"
هكذا غادرنا المطرب الريفي الكبير عبد الجبار الدراجي إلى مثواه الأخير يوم الاربعاء الموافق 28/10/2015 عن عمر ناهز الثمانين بعد ان توفي في احد مستشفيات الاردن.

وبفقده فقدت الاوساط الثقافية ، ومنها الفنية والموسيقية فناناً أفنى عمره في إطالة وانبثاق الفن الراقي الذي لم تشبه شائبة.. أصالة فنية باسقة اصبحت رمزاً يحاكي البساتين والخضرة والمزارع والجداول والازهار.. في مفردات لحنية تظهر اجواؤها سحر المكان. وفي صور تشدك الى ذاكرة تترصع بجواهر الكلام واللحن والصوت الشجي في تحف فنية صاغتها فطرة الريف واجواء المدينة..
ليس هناك عتب على الموت، لانه طالب لا يمل الطلب، وقد مات عظماء واولياء وصالحون وعلماء وفلاسفة وابطال افذاذ.. وغيرهم كثير من عامة الناس. وما زال "طول العمر الى روحة راكب" يسري فينا بكل سرعة وجدية يسارع الزمن بخطاه الواثقة.. إذ ترك فينا لوعة لم نستطع ان ننتزعها من نفوسنا بسهولة. وصور ماثلة بقيت حتى الان تزاورنا في كل محطة ومناسبة نتذكر فيها الابتسامات واللقاءات والحفلات.. وقد اثار حين وفاته مشاعر الحزن في الشارعين المحلي والعربي. إلا من الطبقة السياسية في استغفال وتقصير حكومي واضح..كان فنانا متفائلاً تحمله بعيداً اجنحة الرغبة الحياتية محلقة به الى عمق يسمو بالتسامح والطيبة والخلق الرفيع..
وفي الاونة الاخيرة لم نسمع كثيراً عن اخباره، ولم نر له ضجيجاً اعلامياً مكلفاً.. لأن الهجرة قد خطفته بعيداً عنا، واقعده المرض شر مقعد.. لكنه كان باعثاً للحياة من خلال عيون اشعاره والحانه وغنائه، والتي قد حملت ألف قصة وحكاية تعبر عن واقعنا .. "دكتور جرح الأولي عوفه / جرح الجديد اعيونك تشوفه .. جرحين صارن بالكلب والروح مكلوفة"..
نعم اعلم إن حكايات ابناء شعبنا لم تنته عند حكاية مطرب ريفي رحل.. لأن بلدنا مملوء بالحكايات والقصص والان اصبحت جراحنا كثيرة.. والموت ضيف مكروه غير مرحب به.. ونحن لم نبحث عنه ولكنه هو الذي يبحث عنا ولابد ان يسقينا من كأسه الأوفى.. وهذا قدر محتوم نحن مؤمنون بوقوعه لأنه.. إذا حكم القضاء على امرئ فليس له بد.
هنا في بلده ترك الحانه قسراً ولم تكن إرادته الهجرة، باحثاً عن الشمس في مكان آخر من العالم مع ان الشمس في بلاده اجمل من سواها فبقيت الحانه هي التي تحاكينا وتخاطرنا عيون امهاتها.. فهي لم تكن ومضة مؤقتة تعد علينا عن الزمن حتى ترحل مع غياهب النسيان.. بل كانت صاحبة ظل ظليل.. فهي الحان عفوية المركب توجهها الاشواق والحنين.. نعم قد تكون الحانا حزينة ولكنها شجية عمقها شفيف يقرح خدود الورد يضمخ رائحة عطره طابعاً ألوانه فيها..
الفنان الريفي دائماً يعيش انتفاضته النفسية على واقعه خاصة اذا كان مذراً فكيف إذا هو بحجم عبد الجبار الدراجي فاحاسيسه ومشاعره لا تهدئ ولا تسكن ولا يحول عنهما إلا إن يشورها وجدانيات واقعة حتى يُعبر مدخله العاطفي والراحل الدراجي حمل وجع الهجرة والغربة ومحنهما، فكان ضمن قافلة المهاجرين.
ويراني لناس روحاً طائراً/ والجوى يطحنني طحن الرحى
وحنيني لك يكوي اضلعي / والثواني جمرات في دمي
جمع ابداعه الادبي والموسيقي في قارورة زمانية يضع التاريخ الفني قبلته عليها. ما إن يمسحها بمنديل الذكرى حتى ترجع ناصعة تلمع مثلما دخلت اول مرة..
ولأنها ذات اصالة فالزمن قد حافظ عليها رغم السنوات الطوال والايام العجاف. في كلمات لم تعش الانكفاء والانحسار بل عاشت الاندفاع مثل الطيور التي اطلقت من قفصها كلمات تحفل برونق المشهد الذي تقله وتشوقه حتى تعيها اذن واعية..
وكلمات اهل للعاطفة الجياشة البواحة..
الالحان التي قدمها فناننا ذات اصالة وعمق وقوة وهدف بعيدة عن موسيقى الجرح الذي جاءت بغثاء زبدها من كل بحر واظهرت لنا فناً مشوهاً اصبح عقبة كأداء في الطريق السليم. في عام 1959 قدم أولى اغنياته "تانيني صحت عمي يا جمال" وهي من كلماته وألحانه.. ولاقت نجاحاً باهراً وبعدها غنى "ما اريد المايريدوني" "وعلمتني اشلون احبك" "اشكل للناس لو عنا يسألوني" و"صبحة" وجميعها من ألحانه وغنائه.. وقد فرض اسمه الفني في الساحة الموسيقية بين عمالقة الفن العراقي ومنه الريفي انذاك.
هذه الالحان قد صدرت من عاطفة ندية رقراقة عاشت مع نبتة العمر والتي تتجدد كلما صرت طواريها على الالسن.. فهذه الالحان عبارة عن كائن حي يتجدد بالتكرار والاستماع .. مفردات ملكت الخصوصية بتوهج اجواء الريف والمدينة.. حتى غنت الطيور بين افنانها واغصانها.. "علمتني اشلون احبك".
ألحان انيقة تشهد على ماضٍ مجيد تفوح منها رائحة الحصاد والزهر والليمون تضحك في مناخ ممتع حتى تفتح لك باحات الأمل .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

"كِينْزُو تَانْغَا"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5842-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

د. خالد السلطانيمعمار وأكاديميعندما يذكر اسم "كينزو تانغا" (1913 - 2005) Kenzō Tange، تحضر "العمارة اليابانية" مباشرة في الفكر وفي الذاكرة، فهذا المعمار المجدـ استطاع عبر عمل استمر عقوداً من السنين المثمرة ان يمنح العمارة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram