TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > آفتان لا خلاص منهما إلا بالوطن

آفتان لا خلاص منهما إلا بالوطن

نشر في: 14 نوفمبر, 2015: 09:01 م

أجزم قائلاً بأن الطائفية نتاج الأديان وان العنصرية نتاج القبائل، ولا أعلم بلاداً ابتلاها الله مثلما ابتلانا في العراق بهاتين الآفتين، وإذا كانت عبارة مثل الدين أفيون الشعوب تثير الفزع بين اوساط المتدينين فأنها تكتسب مصداقيتها عندنا اليوم أكثر، ومن يعاين خراب مدننا وتراجع قيمتنا كبشر أسوياء، لا يلقي باللائمة على أحد من السياسيين أو قادة الأحزاب فإنهم نتاج الآفتين معاً.
يقف الخطيب في الحرم المكي أو مسجد الرسول إماماً وخطيباً في الصلاة الجامعة ثم يختم صلاته بالدعاء قائلاً: (اللهم عليك باليهود والرافضة..) ويقف خطيب آخر في مسجد او حسينية ليبين لنا بأن الخلافة سرقت من عليٍّ، وأن الجنة حُرّمت على فلان وفلان. وفي الجانب الثاني من القضية نقرأ في الكثير من بيارق واعلام القبائل العربية العبارة الشهيرة ( نصر من الله وفتح قريب. وهنالك سيف مشطور دائما تحت العبارة تلك) أو أنهم يكتفون بالهلال والنجمة. واضح أن النصر عند العرب المسلمين لا يأتي إلا بالسيف، وأي سيف إن لم يكن (ذو الفقار) اما دالة الهلال والنجمة فواضحة هنا، فهي تعني ارتفاع وعلو شأنهم وأفول الآخرين. الطائفية بكل قبحها والعنصرية الشوفينية بمعانيها الجلية. لكننا نجد من يأتي ليحدثنا بكل صفاقة عن سبب للإرهاب؟
الآن، وبعد أن تمزقت صورة الوطن في أذهان العراقيين بات ليس بمستطاع الجندي- مهما كانت درجة وطنيته - من أهل الموصل او الأنبار أو غيرها من المحافظات السنية الدفاع عن البصرة والناس فيها، لأنه لن يجد الأرض والانسان –مادتا الوطن- اللذين يشترك بهما ومن خلالهما فيها، وبمثل الصورة هذه، لم يكن الجندي من البصرة وعموم الجنوب ليجد الأرض والانسان اللذين يُقبل بهما هناك، ذلك لأن صورة الوطن عنده باتت مختلفة عن صورته عند هؤلاء، فالطائفة والقبيلة تمكنت من الجميع خلال سنوات القهر التي مارستها الأنظمة منذ 1400 سنة، ولا يقولن أحدُ بان الدولة الدينية، أو التي لبست لبوس الدين، منذ البعثة وإلى اليوم لم تكن ضالعة في تأسيس ذلك.
تعاني قواتنا الأمنية من عدم مقدرتها على ضبط الانفلات الأمني والنزاعات المسلحة التي تحدث بين القبائل، وإن حدث وغامرت قوة ما في التدخل، نجد أن أفرادها يرتدون الاقنعة، وهم خائفون مرعوبون مترددون في الوصول والمواجهة، بل غالبا ما نسمع عن تراجع أحدهم لأنه دخل منطقة النزاع التي كانت قبيلته طرفاً فيها، فهو لن يجد محيصا من الانخراط لنصرة جماعته أكانوا معتدين او معتدى عليهم.
في نشرات الأخبار أجدني أطيل النظر دائما في صورة رجال الحماية الذين يقفون خلف الشخصية الرئيسية، فأجد أنهم يشبهونها، فهم دائما إخوة أو ابناء أو أبناء عمومة. وأقرأ أسماء الموظفين في الوزارة، أي وزارة فأجد قائمة من المشتركين باللقب مع الرأس الأكبر، ثم انك عزيزي القارئ أبحثْ في سلالة رجال الدين، تجد ان السيد أو الشيخ يقرّب شقيقه أولاً ويجعل منه قريباً مقرباً، يعلمه الاصول والعقائد والشروح لكنه حين يجد إمكانية تولية إبنه ممكنة، وقبل دنو أجله يقول كلمته الأخيرة: (بأنه ولمرضاة الله ولمنفعة المذهب جعل وصيته في خلافته لأبنه) ويترك شقيقه ولياً صالحاً لكنه غير متولٍ على أحد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram