اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > خصائص (الشخصية الافتراضية) في المسرح الرقمي

خصائص (الشخصية الافتراضية) في المسرح الرقمي

نشر في: 17 نوفمبر, 2015: 12:01 ص

1-2
 
 منذ اكثر من قرن كان التفكير بكيفية الغاء ( الشخصية ) على خشبة المسرح بوصفها حضورا ماديا الغاء تاما .. والبحث عن البديل الموازي لسد غيابها هذا بذات الفاعلية الدرامية المؤثرة والمنسجمة مع البناء الدرامي ومع التأثيث السينوغرافي للعرض

1-2

 

 منذ اكثر من قرن كان التفكير بكيفية الغاء ( الشخصية ) على خشبة المسرح بوصفها حضورا ماديا الغاء تاما .. والبحث عن البديل الموازي لسد غيابها هذا بذات الفاعلية الدرامية المؤثرة والمنسجمة مع البناء الدرامي ومع التأثيث السينوغرافي للعرض المسرحي نفسه ،وبرغم اتفاق الجميع على أهميتها كركيزة محورية للعرض المسرحي الكلاسيكي والمعاصر.

 

كثيرة هي الاسئلة التي أثارها المختصون سابقا واليوم حول هذه الكيفية .. وكثيرة هي التحولات المضمونية والشكلية التي طرأت على ( الشخصية المسرحية ) جراء ذلك التفكير مع محاولة الاجابة عن الاسئلة المتجددة يوما بعد اخر، والتي تستجيب للتطورات التقنية الفنية الجديدة لصناعة العرض المسرحي المعاصر .
يشير انطونيو بيتزو في كتابه (المسرح والعالم الرقمي ) الى ان المخرج ( ديبيرو ) وفي عام 1916 هو صاحب مقترح "الالغاء التام للشخصية على خشبة المسرح ] مستبدلا[ عنها الازياء القاسية المتينة في صنعها ، آلية في حركتها ، بحيث تصبح الرموز على خشبة المسرح متعددة الأوجه بلا تناسق ويصبح كل شيء بلا حياة ومتحركا ."
في عام 2005 اقترح كاتب السطور مشروعا تنظيريا وتطبيقيا تحت عنوان ( نظرية المسرح الرقمي ) وقلنا جملة ان ( المسرح الرقمي قادم ) لا محال ، واقترحنا تعريفا له حينها وهو : " المسرح الذي يوظف معطيات التقانة العصرية الجديدة , والمتمثلة باستخدامه الوسائط الرقمية المتعددة , في انتاج أو تشكيل خطابه المسرحي .. شريطة اكتسابه صفة التفاعلية " .. وان هذا التعريف جاء شاملا حاويا لمفهوم العرض المسرحي الرقمي الذي يحاول الإفادة منذ سنوات غير قليلة من التقنيات الرقمية والبرامجيات الحاسوبية التي تم توظيفها كثيرا في العروض المسرحية المعاصرة عالميا وعربيا والى اليوم ، الا ان صاحب النظرية هذه لم يفرز (للشخصية المسرحية) مكانها الذي ينبغي في هذا المسرح المقترح بوصفه المسرح المستقبلي لنا جميعا .. هذه الورقة تهدف لهذا الفرز مفاهيميا وتاريخيا .
تعرضت الشخصية الدرامية للكثير من المفاهيم والدراسات البحثية والنقدية وذلك للمكانة الفاعلة لها في تثوير البنية الدرامية وسردية الأحداث الواردة وبنائها ، الأمر الذي ادى الى تعددية هذه المفاهيم وتشعباتها حتى في وضع تعريف للشخصية الدرامية .. سنحاول الاشارة الى بعضها .. فنورد مثلا تعريف (ساميه أسعد) للشخصية المسرحية : "هي كائن بشري يشار اليه في النص بعلامات لغوية , ويتقمصه ممثل من لحم ودم على خشبة المسرح , من خلال علامات لغوية تبنى فوق العلامات السابقة . حتى في النص المكتوب الذي لم يعرض , تظل الشخصية كائنا حيا , ما دام القارئ يعطيها هذا الشكل او ذاك على مسرح خياله " . اما (آن اوبر سفيلد) فترى " الشخصية المسرحية ليست سوى شخصية من ورق " . بينما يعرفها حسين رامز محمد رضا هي : " وحدة عضوية , تحتضن مظاهر عضوية , و سايكولوجية..."
الى جانب مثل هذه التعريفات وغيرها الكثير ، تعرضت الشخصية الدرامية أيضا الى عدد من الأبعاد والتقسيمات التي أسهمت كثيرا في تحليل وتفسير الشخصية من قبل صانعي العرض وهي متداولة دراسيا ومنهجيا وهي : ( البعد الجسماني ، والبعد الاجتماعي ، والبعد النفسي ) او بتقسيم اخر : ( البعد الماضي ، والبعد الحاضر ، والبعد المستقبلي ) .. اما التقسيمات فقد تبارى اليها الباحثون كلا من وجهته ومسوغاته امثال : (ابراهيم حمادة ) الذي شطر الشخصية الدرامية الى شطرين : (الشخصية المنبسطة ، التي لها وجه واحد ) و ( الشخصية الكروية ، وهي متعددة الوجوه ) كما يرى . في حين تولى ( حسين رامز محمد رضا ) تقسيما اخرا لها وعلى الشكل التالي : ( الشخصية البسيطة ، والشخصية المركبة، والشخصية المسطحة ، والشخصية الدائرية ، والشخصية الخلفية ) .. وربما توجد تقسيمات اخرى وهي متداولة بحثيا ومنهجيا مثل : (الشخصية الرئيسية ، والشخصية الثانوية , والشخصية الكومبارس / العرضية ، والشخصية الصامتة ) .. لايسع المجال هنا التوقف عند كل تقسيم من هذه التقسيمات لكننا سنكتفي بالاشارة الى مصادرها في هامش هذه الورقة للاستزادة حسب .
لكن ما يهمنا اكثر .. هو الوقوف إزاء أهم المحطات التاريخية التي أسهمت في تطور بناء الشخصية الدرامية ، وهو تطور لم يبتعد عن مجريات العلم والعقل التكنولوجي المعاصر وسط هذه التحديات الرقمية الجديدة التي اكتسحت وبنجاح جميع المجالات العلمية والانسانية في حياتنا , فكيف بالجوانب الفنية الإبداعية منها . فتجدر الاشارة اولا الى المرحلة (الارسطية) والمرتبطة بالشروحات التي سنها (ارسطو) في كتابه (فن الشعر) عن الشخصية الدرامية تحديدا , ومن ثم المرحلة ( الشكسبيرية ) والمرتبطة بما أضفاه (وليم شكسبير) من مائزة درامية للشخصية المسرحية في اسباغه الوحدة الفنية الموضوعية للمسرحية بشكل عام وخلق نماذج بشرية خالدة من خلال شخصياته بشكل خاص فحملت بعض مسرحياته عنوان ابطاله واسبغ عليها ايضا مواصفات النموذج البشري الخلاق فضلا عن اكتسابها الاستقلالية الدرامية المائزة والتي تناغمت مع وحدة بناء النص الشكسبيري، واتسقت سايكولوجيا مع وحدة بناء الفعل الدرامي وعناصر بناء المسرحية الاخرى .
وبانتقالنا الى الدعوة التي اقترحها أبو الرمزية : ( موريس ميترلنك ) الى استبدال الشخصية بكائن آلي عليه مظاهر الحياة لكنه ميت بحسب اشارة المعجم المسرحي لحنان قصاب وماري الياس .. فأفاد منه بعد ذلك ( غوردن غريغ ) فيما اطلق عليه بعد ذلك بـ (الدمية المثالية / الخارقة) او ( السوبر ماريونيت ) بمعنى تحول الممثل الى اداة تقنية .. الامر الذي أدى بعدها الى تبني ( الفريد غاري ) التغيير الجذري الأول الذي طرأ على الشخصية الدرامية من خلال شخصية ( اوبو ) في مسرحية ( الملك اوبو ) باجزائها الاربعة والتي عدت حينها انطلاق التجريب في المسرح العالمي وفي تكوين الشخصية المسرحية الحديثة . والذي ركز هذا التجريب هو استخدام غاري للدمى الذي وضعها خلف شخصيته البطلة (اوبو) وكانت دمى / شخصيات لا ماضي لها و لامستقبل وبعيدة الصلة عن الواقع فتحولت الشخصية والحال هذه الى مجرد اداة شكلية ليس لها جذور وهذا ما سيتقارب لاحقا في هذه الورقة مع خصائص ( الشخصية الافتراضية ) هدف البحث .. لأنها خلقت من عالم لا واعي فهي مصنعة من عالم الرقميات واليه ترجع للأبد .. ويتطابق هذا ما اشارت اليه (ناتالي ساروت) في كتابها ( عصر الشك) الذي اخذت عنه (سامية اسعد) بقولها : " تحولت الشخصية من اليقين الى الشك .. واصبحت الشخصيات مجرد رؤى واحلام و كوابيس واوهام وانعكاسات وأشكال من ( أنا الكاتب ) القديرة او توابع لهذه الأنا . "
وجاءت المانيكا الحية او منهج البايوميكانيك في مقترح تنظيري جديد لـ(فسيفولد مايرهولد) الذي اهتم بالجانب الحركي الشكلي البلاستيكي للاداء التمثيلي بعيدا عن الانفعالات النفسية والداخلية حتى تحقق الشخصية هدفها, وبذا يكون قد زلزل كيان الاداء الدرامي من جديد باحثا عن التثوير الشكلي الحركي الخارق وبقدرات تمثيلية فائقة لكنه لم يلغ الشخصية تماما كوجود مادي بل ألغى عواطفها وتقمصها الداخلي مخالفا بذلك (ستانسلافسكي) .. فهو هنا قد انتهج مقترح الماريونيت ذاته الذي اقترحه (الفريد غاري) من قبله وكذلك (غوردن غريك) .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. محمد الشمري

    موضوع رائع جداً .. احسنتم استاذي دكتور محمد .. نتمنى منكم تقديم المزيد .محبتنا لكم

  2. محمد الشمري

    موضوع رائع جداً .. احسنتم استاذي دكتور محمد .. نتمنى منكم تقديم المزيد .محبتنا لكم

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram