منذ أكثر من عام نطلق التساؤلات حول أبشع هجوم بربري يجتاح المنطقة مؤججاً معه حرائق الكراهية والتطرف بين مواطني البلد الواحد بل بين افراد الاسرة الواحدة، لكننا لا نلقى من القوى العظمى سوى اجوبة غارقة في التحليل والغموض.
بعد شهرين من احتلال داعش للموصل سقطت سنجار وتفرج العالم "المتحضّر" على أبشع مجزرة شهدها التاريخ المعاصر، تنوعت فيها المشاهد بين قطع الرؤوس وسبي واغتصاب الفتيات فضلا عن تدمير دور العبادة وتغيير الدين بالإكراه. ورغم ذلك يتردد هذا العالم حتى اللحظة عن تجريم الفكر الذي انتج كل هذا الدمار بحق مكونات مسالمة كالتركمان والايزيديين والشبك والمسيحيين.
لقد عاش الشرق الاوسط منذ 2011 أحداثا دموية اريد لشعوب المنطقة ان تشاهدها بطريقة البث المباشر. فتابعنا بدهشة ورعب مشاهد نحر الرقاب ينفّذها مغنّو راب ورياضيون تربّوا في الغرب، كما طالعتنا السوشيال ميديا بمشاهد صادمة عن التلذّذ بأكل الاكباد والتمثيل بالموتى بعد ان كنّا نقرأ هذه الحوادث في كتب التاريخ ونحسب انها اصبحت جزءا من الماضي.
منذ "الربيع العربي" وشعوب المنطقة تتعرض الى صدمة عنيفة جراء انبعاث وحوش التاريخ او الإسهام بانبعاثها، بينما يواصل الغرب فرجته على مأساتنا الدموية بكل استرخاء!
ماذا فعل الآخر الحضاري إزاء تسونامي النحر والتفخيخ؟ لا شي. فجلّ ما قام به هو الاستغراق بخطط إفلاطونية لمواجهة داعش وكأنها كائن هبط من المريخ. فالرئيس اوباما منذ اكثر من عام يتحدث عن "احتواء" داعش والعمل على عدم تمدده خارج العراق وسوريا، كخطوة اولى لتجفيف منابع تمويل التنظيم وصولا الى محاصرته والقضاء عليه.
لكن التنظيم لم يمهل رئيس الولايات المتحدة سوى ساعات، بعد حديثه الجمعة الماضية عن نجاح سياسة الاحتواء هذه حتى ردّ بتنفيذ عملية دموية في قلب باريس اسفرت عن 140 قتيلا وأكثر من 300 جريح، لتتجدد امس الاربعاء في احد الاحياء الباريسية.
اكتفى التحالف الدولي منذ انطلاقه في آب 2014 بشن ضربات خجولة بين العراق وسوريا، لكنها فشلت في النيل من دعاية داعش التي واصلت جذب الانصار عبر شبكة اخطبوطية من مئات المدوّنين والمغرّدين على مواقع التواصل.
سمح التراخي الأوروبي للآلاف بالانخراط في القتال الذي يدور في العراق وسوريا متسللين عبر الاراضي والمطارات التركية ملتحقين بداعش و جبهة النصرة وتنظيمات سلفية اخرى عادة ما تصنّفها العواصم الاوروبية كمعارضة سوريّة معتدلة. ولن نذيع سراً عندماً نذكّر بدعوة الجنرال ديفيد بترايوس، قبل شهور قليلة، لمواجهة داعش عبر التعامل مع "معتدلي" النصرة.
اتّسم التعاطي الغربي مع الارهاب القاعدي والداعشي بشيء من المجاملة وكثير من المصلحية عندما اقتنع أو أقنع نفسه بسرديات حاولت دول خليجية تسويقها منذ الإطاحة بصدام لتبرير ولادة الجماعات والتنظيمات التكفيرية في المنطقة.
فضّلت أوروبا النوم مع داعش معتقدة انها قادرة على لجم ستراتيجية التوحش التي يتبناها التنظيم، مكتفية باستخدام رؤوسنا المقطوعة وأشلائنا المنثورة على الطرقات كإكسسوارات في نشراتها الاخبارية او كعينات بحثية في أروقة مراكز أبحاثها.
اليوم تدفع فرنسا، ومن ورائها أوروبا، ثمن الجري خلف صفقات إمارات النفط مقابل تأييد مواقف الأخيرة من سوريا، كما انها تدفع ثمن تغاضيها عن دور تركيا التي تفتح احضانها لدواعش ضواحي باريس ولندن وبروكسل وآسيا الوسطى الذين باتوا يتجولون بين حلب والرمادي ويقضون أيام الإجازة في إسطنبول وأنطاليا!
لسنا شامتين، أيها الأصدقاء، لكنّه ثمن النوم مع الوحش، وغالباً ما يكون دمويّاً.
ثمن النوم مع داعش
[post-views]
نشر في: 18 نوفمبر, 2015: 09:01 م