نعرف أن الممثلين في المسرح وفي التلفزيون وفي السينما يشتهرون بشكل اوسع من شهرة المخرجين ، ويتزاحم الجمهور ويتراكضون لأخذ تواقيعهم او لالتقاط صور معهم او للتعرف عليهم.
ويظل المخرجون مختفين خلف الكواليس لا تستذكرهم الا اقلام النقاد والدارسين ثم يحتلون الصدارة في المنشورات وفي الدوريات وفي الكتب المتخصصة لكونهم اول المبدعين الذين يقدمون ابداعاتهم الى جمهور المتلقين ولانهم يزيجون المؤلفين من مواقعهم الابداعية الاولى. إذن لماذا يميل عدد من الممثلين والممثلات عندنا الى التحول من فن التمثيل وممن اشتهروا فيه الى فن الاخراج الذي يحتاجون فيه الى مدة اطول للوصول الى الشهرة الواسعة والاعتراف الكامل بانجازاتهم الفنية؟ وهنا اضرب مثالاً في الممثلة البارعة (ليلى محمد) التي تولت اخيراً اخراج مسرحية لها، فماذا كان السبب؟
هل كانت (ليلى) غير مقتنعة بالمخرج العراقي الذي يمكنه اخراج مسرحيتها على الوجه الأمثل؟ ام انها لم تجد ذلك المخرج الذي يقبل اخراج مسرحيتها؟ الا تعتقد (ليلى) بان الجمع بين الاخراج والتمثيل في عمل واحد يؤدي الى الاخفاق احياناً وذلك لأن الممثل سينغمس في عمله ولا يستطيع ان يقيّمه وهو في داخله بمعنى انه سيفقد المسافة الجمالية التي تساعده على تقييم العمل فيما اذا كان مخرجاً . هناك ممثل آخر وممثلين آخرين تركوا التمثيل وكانوا بارعين فيه وانشغلوا بالاخراج هو (صلاح القصب) وكان مشهوداً له بمهارته في اداء جميع الادوار المسرحية وخير امثلة لذلك دوره في مسرحية (تموز يقرع الناقوس) لفرقة المسرح الحديث عام 1969 ودوره في مسرحية (البخيل) في معهد الفنون الجميلة قبل ذلك ودوره في (الشريعة) و(بغداد الاول بين الجد والهزل) مع المخرج الراحل قاسم محمد.
عدد من المخرجين لدينا تحوّلوا من التمثيل الى الاخراج استنكافاً او درءاً لنظرة الناس المتدنية لمهنة التمثيل وكأنها عيب من عيوب المجتمع. في حين يتبوأ المخرج مكانة اجتماعية عالية ومرموقة وينظر اليه الناس نظرة احترام وتقديرلا نظرة احتقار وتدنّ. وعدد آخر من المخرجين المسرحيين عندنا تحولوا من التمثيل الى الأخراج لأنهم يميلون الى السطوة والتحكم والقيادة ويعتبرون الممثل تابعاً منقاداً.
الممثلون في البلاد المتقدمة مسرحياً لا يتعجلون الانتقال من فن التمثيل الى فن الاخراج بل ينتظرون تراكم خبراتهم في تخصصهم. نعم ، لم يلجأ الممثل الانكليزي الكبير (لورنس اوليفيه) الى الاخراج الا بعد مرور سنوات عديدة من التجربة والخبرة. وكان قد فاز بلقب (السير) اي (سيّد) منحته اياه ملكة بريطانيا عندما وصل الى قمة الابداع في فن التمثيل . والكثرة من الممثلات الشهيرات في العالم امثال (سارة برنار) و(ناتالي وود) و(اليزابيث تيلور) و(فاطمة رشدي) و(سميحة ايوب) لم يتركن التمثيل ليتحولن الى الاخراج لا لعدم اقتدارهن بل لانهن يشعرن بالاعتزاز والفخر وهن يمثلن شخصيات شهيرة على المسرح او على شاشة السينما، ولا يخجلن ابداً من مهنتهن الاصلية المبدعة.
انني اشبّه تحّول الممثل الى الاخراج مثل تباهي بعض الفنانين بشهادة الدكتوراه التي يحصلون عليها ويصرون على تقديم انفسهم بشهادتهم لا بفنهم. وذلك يعني انهم لا يحترمون فنهم بقدر ما يحترمون الشهادة العلمية بعكس الفنانين في الدول المتقدمة فأولئك لا يعيرون للشهادة اهمية بل يفتخرون بكونهم فنانين يعتزون بابداعهم وليس بدراستهم.
الفنان الحقيقي ليس بحاجة الى لقب (دكتور) كي يكون محترماً في مجتمعه، فهل سمعتم او شاهدتم فناناً عظيماً مثل (بيكاسو) او مثل (غروتوفسكي) او مثل (جايكوفسكي) او مثل (ماريا كالاس) يتباهى بشهادته. يكفي القول بان العديد من الدارسين الذين يبغون الحصول على الشهادات العليا يتصدون لدراسة اعمال الفنانين الكبار وابداعاتهم ولولا تلك الابداعات لما تيسر للدارسين الحصول على الشهادة العليا.
لماذا يتحّول الممثل الى مخرج؟!
[post-views]
نشر في: 23 نوفمبر, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...