TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كل هذه الترجمات.. كل هذه الدهشة في النهاية: لا مقدس يعلو على الحب

كل هذه الترجمات.. كل هذه الدهشة في النهاية: لا مقدس يعلو على الحب

نشر في: 24 نوفمبر, 2015: 09:01 م

5-5
لا يفوت الدكتور طه حسين وهو يثني على الترجمة التي قام بها زميله أحمد حسن الزيات، عندما نقل "آلام الشاب فرتر" لغوتة عن اللغة الفرنسية، ، لا يفوته هو المعروف بآرائه الصريحة، الحريص على نقل الكتب من أصولها اللغوية، أن يلاحظ صعوبة نقل هذه الرواية : "ذلك لأنها صورة نفس كبيرة دقيقة الحس والعاطفة ، هي نفس لأنها صورت نفسا كبيرة دقيقة الحس والعاطفة هي نفس جوتة، ولأن فيها دقيق الوصف الحسي من جهة، والآراء الفلسفية من جهة أخرى، ما يعسر فهمه والوقوف عليه . أضف إلى ذلك أن اللغة العربية لم تألف هذا الطريق. فإذا لاحظنا أن الأستاذ الزيات لم ينقل هذا الكتاب من لغته الأولى، وإنما نقله عن الفرنسية (ترجم عن طبعة فلاميرون وترجمة "سفلنج" و "بيتوب" وقوبل على ترجمتين أخريين)، وأنه قد استطاع مع هذا كله أن يخرج لنا منه صورة صحيحة رائعة ، عرفنا مقدار ما عانى في سبيل ذلك من مشقة وما كابد من صعوبة ."
المفارقة هي أن الدكتور طه حسين يشيد بالترجمة، رغم عدم معرفته للنص الألماني الأصلي. رغم أنه يظل محقاً في أمر واحد، في وصفه صعوبة نقل الكتاب، خاصة لأن الكتاب يحوي على الكثير من الآراء الفلسفية والوصف الحسي، بكل ما لم تألفه اللغة العربية آنذاك.
عام 1961 صدرت "آلام فرتر" بترجمة أحمد حسن الزيات في مصر، وكان الجمهور الذي توجهت إليه في المقام الأول هو جمهور الشباب، وهذا ما يؤكده الدكتور طه حسين في ختام مقدمته: "فإلى الشباب العربي أقدم باسم صديقي هذا الكتاب وأنا واثق أنه سيجد من عنايتهم به ، وانكبابهم على قراءته وتفهمه ، أجمل شكر على ما بذل من جهد ، وأحسن تشجيع على ما هو باذل في خدمة الأدب منذ اليوم ان شاء الله ."
في عام 2015 وبعد 243 عاماً على صدورها في المانيا، و 182 على وفاة فولفانغ يوهان غوتة (وليس فولجانح يوهان جوتة كما جاء اسمه مطبوعاً على الغلاف)، تصدر "آلام الشاب فرتر" لغوتة للمرة الأولى منقولة للغة العربية من أصلها الأول. وبالمعنى نفسه الذي أراده لها غوتة، وأيضاً بالمعنى الذي أراده لها الدكتور طه حسين، تتجه هذه الترجمة إلى جمهور الشباب العربي اليوم، بكل ما يحمله من جموح وطموح، وسعي حثيث وشك، بكل ما يحمله من اندفاع وفوران، وحرص بالعثور على هوية، وأنا واثق أنهم يجدون في اللغة البسيطة القريبة من مشاعرهم، شريكاً لهم في المعاناة اسمه "فرتر"، صحيح أن الشاب فرتر عاش في مكان آخر، صحيح أنه أحب وتألم، ومات قبل قرابة قرنين ونصف، إلا أن ما يجمعهم معه، هو تلك القضية المقدسة التي لا يعلو عليها شيء: قضية القلب وشؤونه.
في غمرة يأسه يكتب فرتر في 25 مايس/آيار 1771، عن رغبته "الذهاب إلى الحرب" وكم كان هذا الأمر عزيزاً على قلبه "منذ وقت طويل"، وهذا ما جعله يسعى إلى صداقة جنرال عسكري. وعندما يكشف فرتر عن عزمه خلال نزهة لهما، يصده الجنرال عن ذلك، وحسب رأيه، كان يجب أن يكون عنده هوى أكثر للجيش "منه على انحراف بالمزاج". أنها لقطة معاصرة.
اليوم يذهب الآلاف من الشباب إلى الحرب لانحراف في المزاج، يقاتلون ويموتون هناك، ينتحرون ويفجرون أنفسهم على جبهات قتل اختارها لهم لوردات الحرب وتجار بيع السلاح، وفي غمرة أورجيا الموت والانتحار هذه، ينسون أن عندهم قلب، وأن رعشة واحدة من هذا القلب لحظة رؤيته أو سماعه لمن يحب، رعشة طالت أم قصرت، تكفي لكي يشعروا أن العالم كله يصبح لحظئتذ في متناول اليد، وأن عناقاً مع الحبيب يعني العناق مع الحياة، وأن الموت الوحيد، إذا كان لابد منه، هو الفناء في الحب. ففي النهاية لا مقدس يعلو على الحب؟
* من مقدمة كتاب "آلام فرتر" للألماني لفولغانغ يوهان غوتة، الذي صدر قبل أيام عن دار النشر المصرية( صفصافة) بترجمة الروائي العراقي نجم والي، والتي هي أول ترجمة عربية للكتاب عن لغته الأصلية الألمانية.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram