إنه لمن دواعي العجب والاندهاش أن تصر الكتل السياسية العراقية وزعاماتها، على تدوير إخفاقاتها وفشلها المتواصل منذ 2003، من دون ان تكلف نفسها زحمة المراجعة وممارسة النقد الذاتي وكأنّ شيئا لم يكن.
مطلع الاسبوع المنصرم شهد كشف النقاب عن تشكيل "تكتّل جديد" جلّ أعضائه ومؤسسيه من مكونات الطبخة السياسية المعروفة، وتحديدا هو خليط من بقايا جبهة التوافق والقائمة العراقية وائتلاف متحدون وجبهة الحوار واتحاد القوى؛ الكتلة السنّية الأكبر القائمة حالياً!
اللافت في الأمر ان اطراف التكتل الجديد قررت العودة الى مربع الطائفة بعد عام واحد من انضوائها تحت مظلة ائتلافات انتخابية تنافست على احتكار "الوطنية" و "القومية" بشتى مسمياتها، بل حتى زاحمت التيارات المدنية والعلمانية على شعاراتها.
والملاحظ ان التكتل الجديد لا يحمل اي جديد على مستوى الخطاب ولا على مستوى الوجوه. فالخطاب الذي اعلن والوجوه التي تضمنتها القوائم المنشورة، اثبتت انها عاجزة عن مواجهة ازمات مدنهم واهلها وان تم رفع شعار إنصافها والدفاع عنها.
ومن المثير للسخرية ان تضم التشكيلة السياسية الجديدة اسماء متورطة بتبديد ملايين الدولارات المخصصة للنازحين، واسماء اخرى بقيت متفرجة على سقوط مدنها بيد داعش، ولم يكتب لها شرف الدفاع عن الارض والعرض كما فعل شباب البونمر والبوفهد والجغايفة والجبور في حديثة والرمادي وتكريت والضلوعية. وللمفارقة فان هذه المظلة السياسية لم تمنح مقعداً واحد من مقاعدها الـ 13 لمن واجه داعش طيلة عام السقوط الماضي!
ولو كان هذا التكتل الجديد ثمرة لمخاض المدّ الداعشي، ومحاولة لتصحيح الاخطاء، التي أدت الى فتح ابواب المدن الآمنة امام الارهاب الاعمى، لتفهمنا الدوافع والغايات منه لكنّا من اول المرحبين والمتفائلين بولادته. إلا أن المعطيات تشير الى ان التحالف الجديد ما هو إلا محاولة يبذلها بعض رموز التأزيم والفساد لقطف وخطف انتصارات القوى الحقيقية التي قاومت داعش طيلة عام كامل في المحافظات التي يدّعي هذا التكتل تمثيلها.ويظهر ذلك جلياً في الانقلاب الذي حدث على الحكومة المحلية في صلاح الدين والذي اسفر عن تصويت "مشبوه" لإقالة المحافظ ورئيس مجلس المحافظة اللذين رابطا على السواتر وبين المقاتلين ولم يتخلّياعن مدينتهما طيلة الفترة الماضية، بعكس من فضّل الإقامة في دول الجوار. فهل من الإنصاف ان يتم إبعاد رائد الجبوري وأحمد الكريّم، اللذين حرصا على ان تواصل حكومة صلاح الدين عملها من مواقع بديلة على تخوم المعارك ايضا، بجلسة يدبّرها ساسة فضّلوا الفنادق على الخنادق؟!
ولو أغفلنا الشرعية المشكوكة لهذا التغيير، الذي يسعى لإعادة خارطة ما قبل داعش الى محافظات الغربية، فلا يجب ان نتغاضى عن خطورة هذا الإجراء الذي من شأنه خلط الاوراق وإعادة مشهد الفوضى الذي يوفر منافذ آمنة لعودة داعش للنسيج الاجتماعي والسياسي مرة اخرى. وكأننا نطرد الإرهاب من الباب ليعود من شباك الصراعات السياسية؟
ولكي لا يأخذ الموضوع طابعاً هجائيا، قد يدخلنا في متاهات الاصطفاف الطائفي، فإن الداء ذاته سنجده في المكونات الاخرى الشيعية والكردية على حد سواء. فهذه الاطراف لا تختلف في إصراراها على إعادة فشلها بفشل آخر ولكن بعناوين جديدة مع تمسكها بمضمون فاسد وفاشل.
وفي مسعى لـ"تصفير" إخفاقاتها والبدء من جديد باللعب على عواطف ابناء الطائفة والمكون، تجدد هذه الاحزاب الإثنوطائفية جلدها للإفلات من المحاسبة أولاً وللهروب من المسؤولية ثانياً، ولمواصلة ماراثون العبث والخراب على حساب مستقبل الأجيال القادمة.
فشلٌ يلد بعضه
[post-views]
نشر في: 25 نوفمبر, 2015: 09:01 م