(2-2)
اعتمد "كوبر" في الحل التكويني لمبناه، على الصيغة التماثلية؛ الصيغة المفضلة لدى معماريي انصار "النيو كلاسيك". ويتبدى اختيار "السيمترية"، هنا، امراً مقبولا ومناسباً، لجهة الحصول على صيغة مبنىً متزن، قادر لان يجسد، بوضوح، معاني "الهيبة" و
(2-2)
اعتمد "كوبر" في الحل التكويني لمبناه، على الصيغة التماثلية؛ الصيغة المفضلة لدى معماريي انصار "النيو كلاسيك". ويتبدى اختيار "السيمترية"، هنا، امراً مقبولا ومناسباً، لجهة الحصول على صيغة مبنىً متزن، قادر لان يجسد، بوضوح، معاني "الهيبة" واضفاء الاعتبار لخصوصية الموضوعة الوظيفية التى يمثلها، كمبنى اداري مهم في سلم تراتبية المباني الرسمية للبلد.
تعكس الواجهة ذات المعالجات البسيطة، المعتمدة على حركة ايقاعية لسلسلة من فتحات نوافذ طولية، "نظافة" الحل التصميمي والنزعة الاختزالية له في آن. وهذه الفتحات المحاطة بشريط رخامي ملون يميل لونه الى الاخضرار، "حفرت" في سطح الواجهة المستوية ذات الطابقين المشكلة لارتفاع المبنى الكلي، هي التى غلفت بالحجر الوردي المميز، المستورد خصيصا لهذا المبنى (وللمبنى الاخر المجاور: مبنى البرلمان)، من مقالع منتقاة في فلسطين. يستثمر المصمم استخدامات تلك المادة الانشائية غير الشائعة في البناء المحلي العراقي، للرفع من أهمية المبنى، وإكساب المعالجات الواجهية فرادة تصميمية. يتم تأكيد المدخل الرئيس للمبنى (ثمة مداخل عديدة يتضمنها المبنى، نظراً لتنوع الاستخدامات. فهو، بالاضافة، لكونه المقر الرسمي لرأس الدولة، فهو ايضا مكان سكن ضيوف العراق في حالة زيارتهم الرسمية للبلاد)، يتم ذلك التأكيد من خلال رفع منسوب الطابق الارضي عن مستوى الارض، والوصول اليه من خلال "مرقاة" Ramp تقود الى ذلك المستوى العالي نسبياً. ومن اجل تشديد حضور المدخل الرئيس، يتم عمل سقيفة بتطليعة محمولة على ستة اعمدة، ذات تفاصيل متقشفة.
يوظف المعمار، الفناءين الوسطيين اللذين "حفرهما" في كتلة المبنى، على طرفي القسم الوسطي له، للحصول على فصل ووصل مقنعين لوظائف المبنى المتنوعة، كما يستفيد من وجودهما لاجل تزويد غرف المبنى المحيطة بهما بالضياء والتهوية الكافيتين. يولي المصمم، اهمية خاصة لمعالجة الجزء الوسطي (المركزي) في المبنى. انه االقسم الاكثر رسمانية، وهو مكان استقبال الملك (الرئيس) لضيوفه، وفقاً للمراسم البروتوكولية. وقد جاء ارتفاع فضائه بطابقين، وتعلوه قبة، صبغ سطحها الخارجي باللون الاخضر التركوازي، وزين سقفها الداخلي بتفاصيل زخرفية ذات شكل هندسي مكرر، اما مركزها الوسطى فقد ترك املساً وحفرت فيه "ثقوب" للاضاءة الكهربائية الذي يشي حضورها بنجوم السماء، المنتشرة حول المركز المضاء بـ "فنار" وسطي،. ما هو جدير بالانتباه، ان المعمار عمل "تطليعة" فوق فتحات "رقبة" القبة محمولة على اعمدة دقيقة ومنخفضة، مهمتها تظليل منطقة الفتحات، حتى لا تصل اشعة الشمس البغدادية المبهرة، بصورة مباشرة الى داخل الفضاء المركزي المقبب. تعمل "المحاريب" Niches نصف الدائرية الغائرة، المعمولة في سطوح الفضاء المركزي على اثراء "انترير" القاعة المهمة. وقد تمت احاطة المحاريب باشكال اعمدة مزدوجة رخامية خضراء، برزت عن سطح الجدار المشغول بقصارة الجص.
ينزع المعمار الى معالجة واجهة المبنى الخلفية (الشرقية) المطلة على نهر دجلة، بذات المفردات التى استخدمها في واجهته الرئيسية المتضمنة، فتحات النوافذ الطولية، المحاطة بشريط رخامي اخضر على سطح معمول من الحجر، مع وجود شرفة محمولة على اعمدة خرسانية دقيقة. الا ان شرفة الواجهة الخلفية جاءت بطول ضعف طول شرفة الواجهة الامامية، كما انها أتت بطابقين : على مستوى الطابق الارضي، وفي الطابق الاول (العلوي). وقد يكون تبرير استخدام مفردة الشرفة بهذا الوسع والكبر، راجع اساسا، وراء الحصول على تأثيرات تصميمية مضافة، مع الاخذ في نظر الاعتبار خصوصية هذه الواجهة، واستثمار اطلالها على منظر النهر الجاري، والتمتع بحركة مياهه السرمدية!
لم يُشغل المبنى، قط، وفقا لعنوانه الوظيفي الاصلي. فقبيل الانتهاء من اعمال البناء، حدثت ثورة 14 تموز 1958، التى الغت الملكية، التى شيد هذا المبنى لها، ليكون "بلاطاً ملكياً". وفضل زعيم الثورة، ان يكون مبنى وزارة الدفاع، بالقلعة في باب المعظم، مقراً رسمياً لمكتبه. وبعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي، أُعيد استخدام المبنى الشاغر ليكون مقراً لرئيس الجمهورية. وفي فترات لاحقة تم توسيع المبنى، باضافة جناحين ضخمين متشابهين من الجانبين له. واستخدمت قوات الاحتلال بعد سقوط النظام الديكتاتوري سنة 2003 المبنى اياه كاحد المقرات لها. ورغم انها سلمته الى الجهات العراقية المختصة، لاحقاً، فانه لايزال مع توسعاته الفسيحة، في طور الترميم. وعندما زرته حديثاً، كان لايزال محتفظا في اناقة شكله، وحسن تناسب ابعاده، وجماليات تفاصيله المحتشمة والمدروسة، هو الذي شكل حضوره في المشهد البنائي المحلي، لحظة مهمة وبارزة في تنويعات المنتج المعماري العراقي، رغم ما قيل عن مقاربته المعمارية، ورغم المتغيرات الوظيفية الكثيرة التى شهدها طيلة تاريخه الطويل!
شغل "جون بريان كوبر" معمار المبنى البريطاني (المولود في 25 أيار 1899، والمتوفي في 19 كانون الاول 1983) منصب معمار الحكومة في دائرة المباني العامة، عام 1935. وصمم الكثير من المباني المهمة في بغداد، بضمنها، مبنى "الضريح الملكي" بالاعظمية (1935)، وكلية الهندسة (1936)، في باب المعظم، ودار المعلمين الابتدائية والقسم الداخلي في الاعظمية (1937)، بالاضافة الى تصميمه بيوت سكن النخبة البغدادية، فقد صمم دارة نوري السعيد في الوزيرية (1936)، ودارة نصرت الفارسي (1937) في الوزيرية ايضا. ثم ترك العراق في سنة 1937، واستدعي في الخمسينات من قبل مجلس الاعمار لتصميم اهم مبنيين نفذا وقتذاك، وهما " البلاط الملكي" في كرادة مريم <القصر الجمهوري لاحقا> (1951-1958)، ومبنى "مجلس الامة" <المجلس الوطني لاحقاً> في كرادة مريم ايضا (1951-1958). بالاضافة الى تصميمه مبنى مصرف أهلي في شارع المصارف ببغداد بالخمسينات.
جميع التعليقات 2
aws bahar
نبارك ونثمن جهودكم لهذا المقال الرائع...متمنين ان يصل المقال الى فتره التطوير للمبنى وصولا الى جهود المهندسين المعماريين العراقيين ما بعد التطوير...مع فائق التقدير
Jalal Abdul Sahib
مقال مفيد وممتع, وأود تقديم شكري وتقديري العالي للدكتور خالد السلطاني على هذا المقال والمقال الذي سبقه ( عمارة .. عمارة) لاني استفدت من المقالين كثيرا في موضوع بحث رسالة الماجستير. شكرا لكم دكنور خالد ودمتم للعمارةمبدعا ومرجعا