لم تفرز سنوات ما بعد صدام حسين حزبا سياسيا أو أي تنظيم رائد في مجال قيادة المجتمع والسير به نحو تأكيد وتفعيل العلم والفكر الحر والعمل المدني، والافعال المستجيبة للتطور والمتفاعلة مع المحيط الانساني، ولسوء طالع العراقيين ظلت هيمنة الاسلاميين على الواقع السياسي تقود البلاد من ظلمات الكتب الى ظلمات الحياة وظلمات الوعي. والتي لم يجن الناس منها سوى التخلف والركود الاقتصادي والتراجع في معظم الميادين، حتى أصبح مبدأ (آني شعليه) والذي منه عدم الشعور بالمسؤولية صفة معلنة، ذلك لأن الاحزاب هذه رهينة قياداتها ومناهجها الضيقة، فيما تشير معظم الدراسات والبحوث الى استحالة قيام نظام ديني بالمعنى الذي تشتغل عليه اليوم أحزاب السلطة، لا في العراق ولا في أي رقعة جغرافية أخرى. والفرق واضح معلوم بين الاسلام كدين والاسلام كنظام للحكم.
وبفعل نظام بدائي متخلف عملت الدولة العراقية ومن خلال أحزابها الدينية الحاكمة على ترسيخ مبدأ غيبي عافته أبجديات الانظمة والحكم المدنيين، مبدأ متوالية العقاب والثواب الدينين والحلال والحرام الدينين والحق والباطل الدينين، وهكذا، وعبر منظومة أخلاقية قبلية دينية ريفية أجهزت تماما على جملة القوانين المدنية النافذة والمعمول بها منذ عشرات السنين وجعلت من قضية الحكم بالقوانين سخرية يتندر بها الناس في مجالسهم، حتى أمتد ذلك إلى ما نشهده اليوم من صعوبة في ملاحقة الفساد الذي ينخر مفاصل الحياة، وباتت قضية الأخذ بجملة السنن والتشريعات والقوانين والتي هي خلاصة الفكر وعصارة الجهد الانسانيين والتي لولاها لما سجّل التاريخ لنا الطفرات العلمية والانجازات الفكرية التي أثرت حياتنا وجعلتنا آمنين على مستقبل الانسان فينا. نقول باتت أبعد ما تكون عن العمل في العراق. لذا نرى أن القاضي ومأمور المركز يلجأ في الكثير من القضايا (القانونية) الى شيخ العشيرة ورجل الدين لفضِّ النزاعات وبما فيها القضايا التي تهم أمن وأقتصاد الدولة.
لكن، وعلى الرغم من تعطل اغلب مفاصل الحياة العراقية بسبب تعطيل جملة القوانين هذه ظلت قضية المرأة والزواج منها والشرف الذكوري المرتبط بما بين فخذيها وشعرها وحجابها الشغل الشاغل للأحزاب هذه على مدار السنوات الماضية، وقد وجدنا أن حزباً في التحالف الوطني قاتل أعضاؤه لكي يشرّعوا لنا قانونا خاصا بالأحوال الشخصية، حتى لكأن البلاد استنفدت حاجاتها كلها في الأمن والاقتصاد والتعليم والصحة والخدمات ولم يبق لديها سوى قضية الزواج من ثلاث وأربع والميراث والرضاعة ونجاسة الكتابي المشرك والخراطات.
لكننا، ومع سحابة اليأس التي تغطي حياتنا، نسجّل إعجابنا بتظاهرات الطلبة في الجامعات العراقية وفي بغداد بخاصة وهم يطالبون مثلا بإيقاف قرار الفصل بين الجنسين. وهي مواقف مشرفة تحسب لصالح أبنائنا الطلبة ضد الوزراء الاسلاميين الذين تعاقبوا على وزاراتي التربية والتعليم العالي، أولئك الذين يريدون بنا العودة الى نقطة الصفر، التي ابتدأت في الدولة العثمانية حيث كان تعليم الكتاتيب، غير مبالين بما ينتج عن ذلك من نكوص ويأس وخذلان في نفوس طلبتنا، الذين نعدهم لمستقبلنا حين تكتمل دورة الوعي في مجتمعنا ذات يوم.
يقول صديقٌ لي خرج من العراق قبل أربعين عاما ومازال يعيش في بلاد أخرى، بأنه اهتدى الى نقطة اجتماعية قد تبدو غريبة علينا، نحن هنا في البلاد المحترقة عظمة وشموخاً. يقول بانه : لو شاهد ابنته مع حبيبها في فراشها أو وهي في فراشه عاريين وغائبين في قبلة أو ذاهبان لطلب الولد حتى.. لما سألتها عن سبب لذلك. هذا نداء الطبيعة. وهذه حاجة جسد، ولو أنها لم تكن بالحاجة تلك لما ذهبت إلى ما وجدتُها عليه. فسألتُ نفسي السؤال البليد هذا: ترى ماذا لو أمتلك نصفُنا الوعي الفيزيائي هذه !! أكنا على الحال التي نحن عليها اليوم؟
الحياة بين نداءين
[post-views]
نشر في: 28 نوفمبر, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
مشكلتنا ياسيد طالب بهذه الديموقراطية هي التي جلبت هؤلاء الاسلاميين وجعلتهم يتربعون على العرش وهم الذين يسيرون البلد كيفما شائت اهوائهم واذا تحدثت عن الوعي الفيزياوي هذا وبهذه الطريقة لصدرت بك فتوى وحل قتلك ولو قراء احدا من هؤلاء اللااسلاميين عمودك هذا