لست خبيرا في الاقتصاد، بل ان مواطنا سنغافوريا عاديا، سيتفوق علي في الحديث عن حركة البورصات، ومن اين لنا ان نفهم حكايات الفلوس في بلد يؤمم كل شيء منذ سحل نوري السعيد حتى هذه اللحظة، اذ بعد ان قمنا قبل ٦٠ عاما بطرد الشركات الاجنبية، قمنا بمصادرة المصالح التجارية الصغيرة للعوائل العراقية شبه الثرية اذ اعتقد حكامنا ان هؤلاء لا ينبغي ان يظلوا اثرياء! ثم استمر التأميم بصيغ اخرى، وفي لحظة شعر صدام حسين بأنه لم يبقى شيء ليؤممه فذهب ليقوم بتأميم الكويت، وهلم جرا.
أما اليوم فان الفاسدين الكبار في العراق، يعتقدون ان الفساد هو نوع من التأميم المشروع الذي يستهدف مصلحة الامة ومستقبل الشعب، او القبيلة او المذهب..الخ.
وهكذا فانني لا افهم في الاقتصاد، اذ لا يوجد اقتصاد بالمعنى الحقيقي كي نفهمه، فهو اقتصاد حروب وامراء نزاعات وحمقى يتسيدون غرف صناعة القرارات الخطيرة في الغالب، لكن الزملاء مقدمي البرامج الحوارية يحسنون الظن بكاتب السطور ويسألونه في شؤون الاقتصاد! وفي اخر مرة تعرضت لهذا السؤال لم اكن امتلك الجرأة كي ازعم انني افهم لا في رأس المال ولا في ذيله، لكنني لم اجازف بالاعتراف بذلك امام الجمهور، ففي المشاهدين من قد يعتبر الامر هزيمة خطابية وادبية تتطلب فصلا عشائريا، ويقال ان مثلي لا يحتار في كيفية الخلاص من هذه المآزق، فانا انتهز الفرص دوما للحديث عن الجانب اللا اقتصادي من الحكاية، تمهيدا لفهم الحالة اللا اقتصادية التي نعيشها منذ عقود.
وقد بات الجميع يعلم ان الدولة العراقية ستعجز بمقدار النصف وربما اكثر، في الوفاء بالتزاماتها المالية امام المواطنين، بسبب انهيار اسعار النفط، واسعار النفط لن ترتفع قريبا وقد تبقى منخفضة الى الابد، بفضل النفط الصخري وتطور استخراجه.
ثم انه لا توجد طريقة لإطعام الشعب الا بتشجيع الزراعة والصناعة شبه المتوقفة منذ ٣٠ عاما، لكن ذلك لن يحصل الا اذا قمنا بتشجيع الاجانب على تزويدنا بوسائل زراعة متطورة تجعل الماء القليل كافيا لمحصول وفير، وتوفير استثمار صحيح لبناء معامل كبيرة مجدية. وهذه الامنية لن تتحقق حاليا، اذ ان الدنيا لا تثق بالعراق ولذلك فلا احد يزورنا، واذا زارنا فسيغادر بسرعة، واذا لم يغادر فانه سيقيم في مخيم خارج المدينة، او ينام في المطار قرب الطائرة، وهذا يحصل حتى في البصرة البعيدة عن المفخخات.
لقد اصبحنا نثير الرعب في العالم، وحين تكون سببا لتخويف الدنيا منك، فانك في وضع خطير جدا، سواء كنت مفلسا ام لا.
ان الافلاس الحقيقي لا يتعلق بالفلوس ابدا، بل بكسب ثقة الدنيا وقواها العظمى التي تتحكم بكل الفلوس سواء كانت الدراهم في بنك افريقي او في جيب النائب كاظم الصيادي، بلا فرق.
من هذه النقطة يمكن ان نبدأ بفهم الاقتصاد، وهو مدخل سيجعلنا نفهم اسباب الدعوة للسلام والصلح، وان الحرب لن تولد سوى الجوع والخزي والموت.
الإفلاس لا يتعلّق بالفلوس
[post-views]
نشر في: 28 نوفمبر, 2015: 09:01 م