أحياناً، لا حدود للظلم ولا للمأساة . ووفقاً لتحقيق تلفزيوني للزميلة المثابرة جمانة ممتاز في برنامجها نبض الناس على فضائية المدى ، فإن هناك نساء عراقيات يستيقظنَ منتصف الليل ليذهبنَ الى العمل في معامل الطابوق مقابل 15 ألف دينار في ظروف عمل لا إنسانية ، قالت إحداهن لمقدمة البرنامج ان المبلغ الذي أتقاضاه لا يسد مصاريف الطعام ، وقالت اخرى :" انها تعبت بعد سنوات طويلة من العمل ، فقررت ان توكل المهمة لابنتها التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها ، لأنه صار عليها ان تتولى مسؤولية رعاية الأسرة " ظلم، وامراض ، ومستقبل لا أبواب له .
تصوروا أماً تضطر لأن تعمل اكثر من خمس عشرة ساعة متواصلة لكي توفر طعام يوم لابنائها في بلد يمتلك ثروات وطاقات تفوق ثروات ألمانيا ومعها فرنسا ايضاً ، ماذا نفهم من ذلك ؟ دع الاطفال الذين ظهروا في التقرير ، وهم يتحدثون عن حلم مضى اسمه مدرسة .
في محض الصدفة، كنت أقرأ امس في كتاب المفكر الانكليزي هارولد لاسكي " محنة السلطة " وفيه يوجه رسالة الى رئيس الوزراء لويد جورج بعد ان عرض عليه منصبا وزاريا في حكومته :" ان دراسة تاريخ السياسة في بريطانيا سيكشف لنا تاريخا يشبه التاريخ السري للظلم ، وهو تاريخ صد رغبات الناس في العدالة واحباطها "
رفض لاسكي أن يصبح وزيرا ولم يوافق على ترشيح نفسه للبرلمان وظل طوال حياته يمارس مهنتين ، الاولى أستاذ جامعي ، والثانية البحث عن أسباب الفقر والعوز ، وكان شديد الإخلاص لمهمته في الحياة الدفاع عن الفقراء ، وحين تعرض لهجمة من اليمين البريطاني الذين سخروا منه واعتبروه مجرد كاتب لايرتقي الى مستوى الفلاسفة، لم يعر اهمية لما يقال ، فلم يكن يعنيه ان يكون منظّراً بقدر ما كان يريد ان يكتشف مأساة الانسان في مجتمع لايحترم آدميته ، فيكتب : " لا تعنيني الثقافة باعتبارها قيمة اجتماعية ، وإنما لأنها تساعد الناس على النظر بصورة صحيحة "
في صحفنا كل يوم مقال او اكثر يلعن اصحابه الامبريالية والعولمة والعلمانية . وفي ظن الجميع ان العلمانية هي سبب خرابنا ، وليس " حتميات " إبراهيم الجعفري وضرورات منصب اسامة النجيفي ، ما تعارفت عليه الامم من مفهوم الدولة هو مجموعة عقول تعمل للصالح العام لالمصلحة أفراد " عشيرتها " ، وفي الانظمة التي تخاف غضبة مواطنيها تكون الدولة لا زعيم العشيرة هي المسؤولة عن المواطن وأمنه وعلاجه وتعليمه .
اليوم هناك دول " مؤمنة " تبذر ثرواتها على نفر " ضال " ، وتمنع الخير عن الملايين ، في سنغافورة استطاع لي كوان ان ينقل الناس من المستنقعات الى ناطحات السحاب ، وفي عراق " مصرف الهدى" استطاع مسؤولونا ان يوزعوا على الناس الفقر والأوبئة والجهل وقبلها الظلم والعصبية والقبلية .
حدّثيهم عن الظلم
[post-views]
نشر في: 28 نوفمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 5
بغداد
اويلاخ يابة شلون مقال قوي فضح تجار الدين والمذهب والعقيدة فضيحة بجلاجل واحد معمم من عائلة كلهم لبسوا العمامة وكأنهم قلم ابو مساحة تاجروا جميعهم بالدين وبالأخص بالمذهب وحجة مظلومية ال البيت حتى اصبحوا ديناصورات تايكونات تسيطر على عقارات الكرادة والجادرية و
د عادل على
الظاهر وكما ينقل لنا الاستاد على حسين عن الوضع الاقتصادى والتفاوت الفضيع بين فئه الاغنياء الصغيرة وكثرة الفقراء اننا فى الطريق الى الراسماليه المطلقه كما كانت فى القرون الوسطى وبدون اية رحمه اجتماعيه---------ان اسلام الدين يريدون النظام الطبقاتى ليس اسل
د.فاتن الجراح
سلم قلمك استاذي الكريم ... مشكلتنا الجهل في كل شئ في السياسة والاقتصاد وحتى في الدين الذين يلتحفونه والجهل هو العامل المشترك الوحيد بين القائد والشعب فالجنسية ليست مشتركة ...الجهل سيد الموقف
محمد سعيد
القضيه التي طرحتها اخي الكاتب المحترف قضيه هامه lt بل ربما تحتاج الي فلاسفه لتفكيك الغازها . هل تعتقد يا اخي ان النجيفي والجعفري والحكيم ونوري المالكي وغيرهم من عتاه القوم تعتقد ان في العراق الجديد ظلم وبؤس او تفاوت بين حفنه اغنياءاستحوذت
كاطع جواد
أوجعت قلبي في هذا الصباح أستاذ علي .. كلما احاول ان أغمض عيني عن ظلم مسولينا و زعمائنا !! اجد من يوقظني ، هل هو قدرنا ان نظل هكذا تحت رحمة هذه الزعامات القرقوشية ام ان الخلل فينا ؟؟ الخلل فينا و الا ما معنى ان تزحف هذه الملايين لتعبر عن حبها للحسين عليه