TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > عوالم عبد الجبار سلمان التشكيلية حلم أثيري يتشح بالسواد

عوالم عبد الجبار سلمان التشكيلية حلم أثيري يتشح بالسواد

نشر في: 5 ديسمبر, 2015: 12:01 ص

يعد الفنان التشكيلي العراقي المغترب عبد الجبار سلمان( مواليد بغداد 1936)  احد ابرز الوجوه التشكيلية الستينية التي فرضت حضورا متميزا على الساحة  الفنية العراقية والعربية منذ تخرج من اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد عام 1969 ليعمل استاذاً لمادة

يعد الفنان التشكيلي العراقي المغترب عبد الجبار سلمان( مواليد بغداد 1936)  احد ابرز الوجوه التشكيلية الستينية التي فرضت حضورا متميزا على الساحة  الفنية العراقية والعربية منذ تخرج من اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد عام 1969 ليعمل استاذاً لمادة اللون في معهد الفنون الجميلة ويقيم العديد من المعارض الفردية والجماعية في داخل العراق ومدن العالم والتي عرفته فنانا ذا اسلوب يدور في أطر جمالية لاتنفك تضفي على اعماله ذلك التميز الذي تفرد به وصار عنوانا له ، حتى ليستطيع المشاهد دون احتمال للخطأ ان يتعرف على لوحاته من خلال انتماء عمله الفني لوحدة فكرية متجانسة . فان الفنان ينزع الى خلق عالم جديد ،عالم له مذاق خاص فهو يرسم بوجدانية الباحث عن الرؤى المتفرده.

ان النمو الطبيعي لرؤية الفنان اوصلته سريعا - الى حد بعيد -  الى مفهوم تفتيت الصورة فليست شخوص الفنان  التي يصورها في لوحته مجرد تمثيل للواقع الطبيعي ، بل هي وسيلة للتعبير عن الشحنة الوجدانية التي يريد الفنان ان يفرغها داخل اطار اللوحة . فالانسان عنده يبقى مقياسا لكل شيء وصورته محور فنه لكن الاشكال التشخيصية تتفتت لتكون لغة شكلية خاصه تجسد رؤيا الفنان المعاصرة للواقع ، لغة الالوان غير القابلة لان تترجم عبر وسيلة اخرى .
فالواقع -  كما يقول الشاعر (أبو للينير ) – ليس أكثر من ذريعة ، فهو عند الفنان بداية  ينطلق منها  نحو تجريد انطباعي يجسد من خلاله رؤيته الجمالية  بين الفن والواقع و بين الفن والطبيعة مطلقا العنان لحريته في تصوير الفراغ الاكثر اتساع والبحث عن تشخيص الكامن في اعماق الشيء لكي يجد المعنى العميق والمبهم لما يحيط به ، ساعيا في الوقت ذاته الى التجديد بالغاء التشريح الواقعي وابداله بتشريح بصري انطباعي لتغدو اشكاله اكثر صفاء واقرب الى جوهر النقاء والمعاناة التي حاول الفنان بكل جهد ابرازها..
فالوعي داخل الشكل واللون يندمج في حالة نوعية ليتحول الى وعي يمسرح الواقع بشعرية مكثفة دون ان يتحول الى تفسيرات حسية مادية جامدة فهو مثلا يعالج خصوصية اللونين الاحمر والازرق في اغلب اعماله من خلال البحث عن كمون بصري وخصوصية حرارة تلك الالوان وشدة اضاءتها وسط غبش لوني ابيض بارد يحيط اللوحة كغبش الفجر محاولا خنق طغيان ما تلتحف لبوس تشخيصاته النسائية وغالبا ما يكون باللون الاسود ،  كذلك يعالج هوية الملمس بخشونة ونعومة الضربة اللونية ودرجة توترها لحظة التنفيذ ما يخلق حوارا بين كل عناصر التكوين بثنائية الحسي والعقلي حتى تبلغ الاشكال والالوان حد الالتئام والتلاشي . فاللون وعناصر التشكيل الاخرى تمثّل انبجاسا لما هو حسي . فيما الفنان يعمد الى تفجير هذه الاشكال لعله يعثر تحت هذا الركام اللوني على معان سرية تكمن وراء الضربات اللونية التي يحاول بها ان يخلق عالما خياليا يتميز بدقته الشاعرية ، فالبقع القاتمة التي تبدو كالأشباح الهائمة تصرح  بعمد عن احساس بفجيعة ما ويلفها حزن دفين ، انهن نساء عبد الجبار سلمان التائهات في عوالم شرقية ممتده يكررهن ملتفعات بحلم اثيري يغير وجهه في كل لوحة .
ان المرأة في اغلب اعماله تعيش عبر ايقاع متميز من خصوصية فنية ونزعة تأملية تتسم بشفافية الرؤية وان اكتنفها  شىء من الغموض جعل اعماله تقترب من تيار الوعى بالتداعى الحر للهواجس والافكار ،  اذ تتمركز الفكرة فى اعماق الذات لتصل الى المتلقى – الاخر -  بشكل متنامٍ ، فهن يخرجهن من التجسيد الآدمى  ليتحولن الى معانٍ وخواطر ، منطلقات الى عوالم علوية محفوفة بنورانية باهتة لكنها موحية ومتوحدة ، ينصهرن فى مجاهيل الغياب والهواجس ليعدن جزءا من انكسار اجتماعى كبير يحاور ذاته بصمت عبر مكونات الذات التى تمور فى اعماق الشخصيات للبحث عن طريق ما فى  معرفة ما هية المتنافضات ومعاقل الحيرة التى تكسر كل محاولات الطمأنينة .
اننا امام لوحات  توحى بحوار لا يطغى فيه العقل على الوجدان ،ولا العكس، وانما هو حوار يخلق مع العمل .  اذ يرتفع الرمز الى مستوى مساوٍ فى ارتباطة بالضرورة الحياتية كى يغني مدلول ذلك الرمز. انها نموذج لرحابة الرؤية واتساع الافق والوعى بايقاع العمل الفني دون اللجوء الى الابهار او الصراخ بالشعارات.
ان هذة الرؤية الغامضة التى تزداد وضوحا كلما زاد التأمل ، تشتغل على وتر  الاثارة الهادئة ذهنيا لحث المتلقى على متعة التأمل ، عبر دلالات رمزية موحية لعالم الشخصيات (المرأة) الداخلى بتاثير شعوري يفجر اكثر من سؤال عن حلم هذا الكائن وهواجسه وما يعانية تحت تاثير ضغط الحياة. ويبقى (عبد الجبار سلمان ) وفيا للبيئة التي تربى في احضانها فرغم تغربه في اصقاع بعيدة عن اجواء الشرق الصحراوية لكنه استمر يأخذ من معين تراثه المحلي وبقت الوانه متأثره بالسطوع الفيروزي والاجواء الحاره.وتبقى تجربته ثرية ومستمرة على امتداد اكثر من اربعة عقود في مجال الابداع التشكيلي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram