اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شهيد أم مسافر ؟!

شهيد أم مسافر ؟!

نشر في: 4 ديسمبر, 2015: 09:01 م

في الثمانينيات ..ساد فجأة صمت رهيب في الشارع ..توقفت جميع المركبات والمارة وانطلقت ضربات مدفع واجراس كنائس واصوات مؤذني الجوامع ..لم يدم الأمر إلا دقائق احتفاءً بيوم الشهيد العراقي خلال الحرب العراقية –الايرانية لكنه ظل يذكرنا بمعنى الشهادة ..معنى ان يمنح الانسان دمه ليعيش الآخرون سواءً كان مجبرا او مخيرا ...وفي العراق ، لم يتوقف مسلسل الشهادة مادام الدم العراقي رخيصا لدى حكوماته فالعراقي كان حطبا لحروب الدكتاتور السابق واستمر مشروعا للموت بعد مجيء عصر آخر كان يفترض ان يرتفع فيه ثمن الدم العراقي بزيادة قيمة الانسان العراقي في زمن بطلته الرئيسية الديمقراطية وبطله الرئيسي التغيير ، لكن الديمقراطية اثبتت فشلها منذ ان صارت الانتخابات لعبة يفوز بها من لايجيد حماية الدم العراقي والتغيير لم يشمل البلد بل طال النفوس والضمائر ، وهكذا تزايد عدد الشهداء وتزايد معه طرديا عدد الايتام ...
قبل ايام ، جرى الاحتفال باليوم العالمي لتوقيع اتفاقية حقوق الطفل ..كان تعليق احد الحضور في احدى الاحتفاليات .." لو كان هناك حقوق للطفل العراقي لمنحوه حليبا في الحصة التموينية !!"...أما مديرة احدى المدارس الابتدائية  فقد حاولت ان تجمع بين تلك المناسبة ويوم الشهيد بتقديم هدايا للاطفال الأيتام ، لذا طلبت من معلماتها تقديم قوائم باسماء الايتام لتخصص لهم هدايا وهالها عدد التلاميذ الذين امتلأت بهم القوائم ...وحده الصغير مصطفى لم يجد الجرأة للانضمام اليهم فهو لم يعرف حتى الآن إن كان والده ميتا او مسافرا كما تخبره والدته دائما ..كان مصطفى يدرك في قرارة نفسه ان والدته لاتقول له الحقيقة فمن يموت لابد ان يدفن وهو لم يشعر يوما بأن لوالده قبر ..كان يجهل ان والده اختطف على ايدي عصابة مسلحة ولم يعد ماجعله ميتا في نظرهم ، لكنه كان موقنا ايضا ان والده ليس مسافرا كما تقول والدته ...هل هو يتيم اذن ؟...استكثر مصطفى الصفة عليه ولم يضف اسمه الى القائمة وقرر ان يصدق اكذوبة والدته وينتظر عودة والده من السفر !!
بهذه الطريقة فقد العديد من الاطفال آباءهم ليفرزوا شريحة الايتام التي تزداد اتساعا..وبالتدريج صار غياب الاب حالة طبيعية رغم مافيها من مرارة ، وصار على المجتمع ان يتقبل نتيجة غيابه فيقدم لليتيم معونات وهدايا في المناسبات وتتسابق منظمات الطفولة لاقامة الاحتفاليات وتقديم الهدايا له ..ولكن ، هل ينتظر يتيم مثل مصطفى هدية مقابل غياب والده ؟...لايمكن اجراء مقارنة بين الأمرين لاستحالة وجود تعويض مناسب عن غياب السند ونبع الحنان وجدار الحماية ..
إذن حقوق الطفل العراقي يجب ان تبدأ بتوفير حليب له في الحصة التموينية ثم توفير الأمان الذي يفقده الطفل بفقدان والده والاكتفاء المادي لكي لايمر يوم تعجز فيه الامهات عن تلبية طلبات ابنائهن ، والعناية الصحية والتعليمية والنفسية ..من حق الطفل العراقي اليتيم ان يجد من يأخذ بيده وينتشله من الاحساس بالوحدة والخوف في مجتمع يستند إلى الرجال في زمن غياب الرجال ..ومن حق اطفال مثل مصطفى ان يحلوا اللغز الذي خلفه غياب آبائهم بأن يعرفوا مصيرهم ..وجولة مخلصة من رجال الحكومة في السجون والمعتقلات ربما تعيد العشرات من الآباء الغائبين الى ابنائهم عسى ان يحدث الأمر فرقا في قوائم الأيتام فتشمل ابناء الشهداء فقط وهم اصلا مازالوا في تزايد مادام مسلسل الشهادة مستمراً والدم العراقي رخيصاً على حكوماته ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram