سألتني مضيّفة الخطوط الجوية التركية، وأنا في رحلة العودة من برلين على متن إحدى طائراتها، عن أي الصحف أرغب بقراءتها، فأجبتها بأنني أريد أي صحيفة باللغة الانكليزية. ناولتني واحدة هي صحيفة "حرييت ديلي نيوز".
على نصف الصفحة الرابعة كان ثمة تقرير عن برنامج الحكومة التركية الجديدة الذي عرضه رئيس الوزراء أحمد داوودأغلو على البرلمان التركي.. الصحيفة عنونت التقرير بالآتي: "داوودأوغلو يتعهد بميثاق (دستور) جديد وإصلاحات ديمقراطية مع توافق واسع"، واحتوى المتن على ملخص لخطاب داوودأغلو ومقتطفات إضافية مما جاء فيه، بما يفصّل ما جاء في العنوان بشأن الإصلاحات الديمقراطية الموعودة ومشروع الدستور الجديد، وبجعل حكومته الجديدة حكومةً لكل الأتراك "حتى الذين لم ينتخبونا".
قبل أن أقرأ التقرير كانت الصفحة الأولى قد أنبأت بخبر ينسف كلام رئيس الوزراء التركي من الأساس. الخبر يخصّ الأمر باعتقال صحفيين تركيين اثنين، هما رئيس تحرير صحيفة "جمهوريت" جان دوندار وزميله ممثل الصحيفة في أنقرة، إيرديم غل، لأن صحيفتهما نشرت في 29 مايس الماضي معلومات ومقاطع فيديو تُظهر قيام جهاز المخابرات التركية "(ميت) بنقل أسلحة ومعدات حربية إلى سوريا في شاحنات عسكرية ( لصالح المنظمات الإرهابية المتطرفة وبينها داعش). وأمر الاعتقال صادر استناداً إلى دعوى أقامها في 2 حزيران الماضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصياً ضد الصحيفة. وفي وقتها توعد أردوغان الصحفي الذي كتب تلك القصة الصحفية بأنه "سيدفع ثمنا باهظاً"!
في العدد نفسه من الصحيفة على الصفحة الثانية كان هناك خبر عن طلب المدعي العام في اسطنبول الحكم بالسجن ثماني سنوات وشهرين على رئيس تحرير صحيفة "تودايز زمان" الصادرة باللغة الانكليزية، بولنت كنش، بتهمة "إهانة" الرئيس أردوغان عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي تصريحاته. والإهانة في مفهوم أردوغان هي انتقاد سياساته ومواقفه وتصريحاته.
أردوغان نجده دائماً في قلب القضايا المتعلقة بقمع الحريات في تركيا، وبخاصة حرية التعبير عبر وسائل الإعلام التقليدية والجديدة. ومذ أصبح رئيساً للوزراء قبل سنوات كان أردوغان يعمل مثل بلدوزر لتذليل كل العقبات المحتملة لتوليه رئاسة الدولة، ثم عندما غدا رئيساً للدولة أثقل على بلدوزره من أجل إعادة انتخاب حزيه الإسلامي (العدالة والتنمية) والسيطرة على معظم مقاعد البرلمان لضمان تغيير الدستور الحالي وتشريع دستور جديد يجعل من نظام الدولة البرلماني رئاسياً، والهدف دائماً تركيز السلطة كلها في يدي أردوغان ليصبح أول سلطان في عهد الجمهورية التركية. لم ينجح أردوغان تماما في تحقيق ما يريد، ففي الانتخابات السابقة خسر حزبه الأغلبية في البرلمان، وفي الانتخابات المبكرة التي جرت منذ أسابيع بالكاد استطاع حزب أردوغان الحصول على أغلبية بسيطة في البرلمان، وهذا مما لا يمكّنه من تغيير الدستور.
أردوغان يبدو الآن مثل وحش جريح أو مسعور، يسعى لقمع حرية الإعلام بإقامة الدعاوى على الصحفيين المستقلين وغير الموالين، ولإثارة أجواء الحرب على حدود بلاده.
أردوغان المسعور
[post-views]
نشر في: 4 ديسمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
د عادل على
ادعاء النظام التركى بانه اسلامى غير صحيح ليس بسبب عدم وجود المعممين فى السلطه بل لان استراتيجية النظام اتاتوركيه 100% انظر الى نازية النظام فى كوردستان تركيا حيث يباد فيها مسلمون كورد وبكل قسوة--------تركيا اليوم دولة توسعيه وهى مصدر الفاجعه السوريه لان