بعد طرد داعش من تكريت في الربيع، كنا نقول ان السياسة في بغداد تعرضت الى التأجيل. وسألنا يومها عن السبب واجاب الزعماء ان الحوار سيتجدد بين الاطراف العراقية، بعد توقيع الاتفاق النووي الايراني. ثم جرى التوقيع في تموز وها نحن في برد نهاية السنة ولا اثر لفعل سياسي ولا مبادرة لحوار حول الملفات الكبرى.
وكنا نقول ان الجمود خطيئة، لان ثمنه كبير جدا على كل الاطراف. ولا احد اهتم بهذا وحتى الاحتجاجات الشعبية اهتمت برواتب المسؤولين ولم تكن مع الاسف، في وارد فهم العجز السياسي.
لماذا بقيت بغداد غير قادرة على تنشيط الحوار؟ بغداد تقول ان التجميد جاء انتظارا لاشياء محددة، وهذه اشياء قد تحصل وقد لا تحصل. وهكذا توقفت بغداد عن صناعة او اطلاق اي مبادرة. ونسيت فقرات التغيير والتصحيح الذي تحدثنا عنه لحظة سقوط نوري المالكي، واحلامنا بأن تجميده للسياسة سينتهي على يد جناح التغيير الشيعي وباقي القوى الوطنية.
ولكننا لم نستطع دفع التسويات حول لامركزية الادارة، ولا حول خارطة الامن، ثم وجدنا انفسنا نقاتل عن بقايا الدولة في شارع فلسطين لمن يتذكرون حوادثه المعبرة.
وحين تتوقف بغداد عن صناعة السياسة تصبح اصغر بكثير من العراق وتعجز عن اثبات وجود العراق على الخارطة. ذلك ان وظيفة بغداد هي ان تبقى نشطة تدير صراعات الشمال والجنوب والشرق والغرب بما يرتقي لجسامتها، وتجرب موديلات الحلول المتعقلة، وتمتلك شجاعة لترويجها وبحثها وفرضها، كي تثبت ان هناك بلدا لا يزال اسمه العراق. اما موت السياسة في العاصمة التليدة فسيشجع اي طرف خارجي على الاستهزاء بنا. وها هي دول الجوار تتفنن في السخرية من حدودنا وحجومنا واهميتنا.
نحن الان تقريبا بلا اي فعل سياسي. نحن ملايين نحمل البنادق ولا ندري الى اين يجب ان تتجه. ولا ندري هل ستبقى لدينا فلوس لملء الرشاشات بالرصاص ام لا!
لا تثرثروا كثيرا.. فقط فكروا: كيف يمكن انعاش السياسة الميتة في غرفة حيدر العبادي؟ لانه بقي وحيدا، يتناقض مع نفسه مضطرا كل يوم، فالاخرون لا يشجعونه على استئناف الكلام في السياسة، وهو لا يشجعهم ايضا، والجميع يطلبون فلوسا للبنادق، وتأجيلا للملفات الكبرى ريثما يحصل شيء، وهو شيء لانعرفه.
ومع كل تأجيل تقول الدنيا لنا ان عجزنا السياسي يترك فراغا، وان الفراغ يجب ان يمتلئ، وقد ملأته داعش التي تهدد الدنيا كلها، ولذلك ستضطر الدنيا من حولنا الى التدخل بنحو متسارع وملء الفراغ وطرد داعش ورسم مستقبل العراق بعد داعش.
كل صراخكم لن يحل بديلا للفعل السياسي المطلوب، وكل صراخكم لن يقنع الدنيا بعدم التدخل، وتذكروا وحسب ان بغداد لم تشهد منذ سقوط نينوى حتى مجرد اجتماع لكبار القادة المقررين، ولذلك ظهر الصغار وملأوا الدنيا ضجيجا، والله يستر من اليافعين والمستجدين.
ميتة في غرفة العبادي
[post-views]
نشر في: 5 ديسمبر, 2015: 09:01 م