في زمن التفجير والقتل العشوائي تصبح لغة الحوار مطلبا أساسيا لتهدئة الخواطر وتوضيح المواقف والحقائق. وتجسيدا لهذا المفهوم جرت مؤخرا في السفارة العراقية بلندن وتحت رعاية السفير العراقي لدى المملكة المتحدة الدكتور صالح حسين علي التميمي، ندوة ثقافية ديني
في زمن التفجير والقتل العشوائي تصبح لغة الحوار مطلبا أساسيا لتهدئة الخواطر وتوضيح المواقف والحقائق. وتجسيدا لهذا المفهوم جرت مؤخرا في السفارة العراقية بلندن وتحت رعاية السفير العراقي لدى المملكة المتحدة الدكتور صالح حسين علي التميمي، ندوة ثقافية دينية تمحورت حول موضوع (العلاقات الإسلامية المسيحية وكيفية فهم الإسلام لغير المسلمين). استضافت الندوة رجل الدين البريطاني الدكتور (كريس هيوار) المختص بالدراسات الإسلامية المسيحية والمستشار السابق لأسقف مدينة برمنغهام الذي تناول العديد من القضايا المتعلقة بأوضاع المسلمين في بريطانيا والعالم الغربي عموما. وأدارت الحوار مع ضيف الندوة، الصحفية والكاتبة وحيدة المقدادي حيث استعرضتْ في البداية الروابط المتينة التي تجمع بين أبناء الديانتين وعلى رأسها الأرضية الإيمانية المشتركة وبالأخص إيمان المسلمين القاطع بنبوة عيسى وولادته الإعجازية من مريم العذراء (عليهما السلام)، وكذلك التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين الذي وجد طريقه الى مجتمعاتهم منذ بدايات الإسلام في القرن السابع الميلادي برغم فترات التراجع والانكماش. كما أن المسلمين والمسيحيين يستخدمون لفظا متشابها ( لفظ الجلالة) في الإشارة الى خالقهم ويرددون عبارات متشابهة (الحمد لله) و(ان شاء الله) في التعبيرعن ايمانهم وتوكلهم، كما أن المسلمين لايترددون في اطلاق أسماء (عيسى) و(مريم) على أبنائهم وبناتهم، ومن هنا فإن المتشابهات والمشتركات التي تجمع بين المسلمين والمسيحيين تفوق العوامل التي قد تفرق بينهم.
من جانبه ، أوضح ضيف الندوة الدكتور (هيوار) أن الواجب الإيماني والمسؤولية أمام الخالق تقتضي تعزيز هذه الأرضية المشتركة والتمسك بها والبناء عليها مشيرا الى أن الجهل بالآخر هو من أشد العوامل المسببة للرفض والكراهية والعدوان. وأشار (هيوار) الى أن الأجيال الحالية في الغرب تجهل دينها الأصلي فكيف لها أن تتقبل دين الآخر، ودعا الى ضرورة اشاعة الفهم الصحيح للاسلام في المجتمع البريطاني والمسيحي عموما، مؤكدا على وجود نقص شديد في هذا الجانب في النظام التعليمي، ومنوّها في الوقت نفسه الى أن العام الدراسي المقبل 2016 سيشهد تحسنا كبيرا في دراسة الأديان في بريطانيا حيث سيتعين على كل تلميذ تقديم ورقتين عن اثنتين من الديانات والأرجح أنهما ستكونان المسيحية والاسلام نظرا لكونهما الأكثر اتباعا في بريطانيا، الأمر الذي سيكون من شأنه تعزيز التقارب والتفاهم بين الديانتين وقطع دابر التعصب والتطرف الذي غالبا مايبدأ في طفولة الأنسان.
وحول سؤال عن أهمية إحياء القيم الإنسانية التي نادى بها الإمام الحسين (ع) واستشهد من أجلها لاسيما وأن الأجيال الحالية تبدو منفصلة عن القيم والمبادئ وتعيش في تخبط وقلق، أكد الدكتور (هيوار) من خبرته الواسعة بالتاريخ الاسلامي، أن التذكير بقيم ومبادئ الإمام الحسين (ع) الذي وضع ثقته المطلقة بالله وتحمل عبء الواجب تجاه الأمة الذي تفرضه القيادة، وكان عفوّا متسامحا في أصعب الأوقات والمواقف، أن التذكير بمثل هذه القيم السامية يجعل الماضي حاضرا في الأذهان، فالظلم موجود في كل العصور والذكرى تنفع الناس في كل مكان وزمان، وشدد على أن رسالة الإمام الحسين (ع) ليست مقتصرة على طائفة معينة ولا دينا معينا وانما هي لعموم الانسانية.
وحول سؤل آخر عن الاتهامات التي يواجهها المسلمون في الغرب عادة بسبب الاعتداءات الارهابية واتهامهم بالصمت والسكوت حيالها، أوضح (هيوار) أن المجلس الاسلامي في بريطانيا لم يتردد في اصدار بيانات الشجب والادانة بعد تفجيرات باريس الأخيرة كما صدرت سابقا الكثير من الفتاوى والرسائل المفتوحة الى رموز الارهاب وقادته بهذا الشأن.
في ختام الندوة التي دامت قرابة الساعتين، أكد الدكتور (هيوار) على أهمية أن يتعرف المواطن الغربي على الاسلام الحقيقي، لأن ظواهر الاسلاموفوبيا والتفكير النمطي الجاهز التي انتشرت في المجتمع الغربي بعد أحداث 11 أيلول 2001 (تفجيرات نيويورك) ليست إلا نتاجا للجهل وعدم المعرفة الكافية والصحيحة بالآخر.
أقيمت الندوة في مقر اقامة السفير العراقي الجديد الدكتور صالح التميمي الذي يحرص منذ حلولهِ بالعاصمة البريطانية على حضور ودعم ورعاية مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية المتعلقة بالجالية، كما حضر الندوة الدينية عدد من منتسبي السفارة و نخبة من وجوه الجالية العراقية بينهم شخصيات دينية مسيحية ساهمت في اغناء الحوار بالتعبير عن همومها وتطلعاتها الى العيش باستقرار وأمان في بلدها العراق.