TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فيروز في الثمانين.. وإلى الأبد

فيروز في الثمانين.. وإلى الأبد

نشر في: 7 ديسمبر, 2015: 09:01 م

نظر إلي أصدقائي باستنكار، في بغداد، عندما قلت: فيروز مطربتي المفضلة.. ذلك في سبعينات القرن الماضي، وأغلبهم شعراء شعبيون (عاميون) وكنت في عشريناتي!.الحقيقة، كنت ميالاً، مبكراً، إلى ما يمثل اختراقاً للسائد، حتى لو أعجبتني أغنيات عراقية وعربية أخرى، لكن فيروز استثناء.فيروز هي الانتصار العربي الوحيد، منذ ما قبل سقوط الفكرة القومية، واستقالة جمال عبد الناصر من مشروعه الفاشل، وحتى اليوم.. قرأت، ولست متأكداً مما قرأت: أن الرحابنة طلبوا أن تزال صورة الرئيس أحمد حسن البكر من خلفية المسرح قبل تقديم فيروز أغنياتها في سينما النصر، ببغداد، في أوائل سبعينات القرن الماضي.رغم أن التذوق الفني يخضع لموجبات التربية الذاتية والتلقي الخاص، لكنني أعتقد بأن ثمة مقاييس فنية وإن لم تحظ بإجماع، لكنها معيار، حتى لو لم تعجب البعض وهم أحرار.فيروز قدمت أغنية عن أصغر قرية في لبنان (مثل تنورين)، وهي قرية مثل أي قرية في جنوب العراق أو صعيد مصر أو شمال المغرب أو في دارفور."أغنية القرية" مثار جدل. هي أغنية تحتمل وهم التخلف مقابل أغنية المدينة وهم التحضر.فيروز أعادت إنتاج "أغنية القرية" بما يقدم رومانس البراءة الأولى، عندما تكفلتها كلمات وألحان تعيد المستمع إلى براءته الأولى، فالنواعير وجرود الريف والبيارة والبنت "يللي بيتها فوق الطريق"، ثيمات قدمتها فيروز، وطبعاً الرحابنة، بطريقة جديدة، مستفيدين من خلطة ذكية هي مزيج من الفولكلور (الميجانا والمخمس مردود وغيرهما) والسيمفونيات الشهيرة من موتسارت (يا أنا يا أنا وياك) وموسيقى الجاز، في زمن مبكر من التجربة الرحبانية الفيروزية.أغنية القرية، عند فيروز والرحابنة، لم تهبط إلى مفردات مستغلقة، غارقة بالحنين والأنين، كما في أغنيتنا العراقية، بل تحولت إلى نص ثلاثي (نصاً لحناً وصوتاً) مفعم برومانس فيه من التلقائية قدر ما فيه من التحديث والتطريب والأفكار أيضاَ.ولأنني لست ناقداً موسيقياً، إنما أصدر من تذوق سمعي، شخصي، جزءاً من ثقافتي العامة، غير مؤهل على تحليل الموسيقى نقدياً، لكنني أكتب محتفياً بذاكرتي الغنائية الفيروزية كمستمع عندما تمثل فيروز عنصراً عربياً أساساً في تربية ذوقي الغنائي والموسيقي، على أن شعر الرحابنة، نصاً غنائياً، يثير الإعجاب، في لهجته اللبنانية، أعني أن نصوصهم الفصيحة مثار أخذ ورد، بالنسبة لي على الأقل، مستمعاً عربياً، أو شاعراً.. وعندما طلب مني الصديق الفنان كوكب حمزة نصوصاً غنائية لتلحينها، كان أمامي إرث هائل من الكتابة الغنائية من مصر ولبنان والشام والعراق (طبعاً) لكن النص الرحباني هو ما مثل التحدي الأكبر في تجربتي الغنائية البسيطة، فحاولت استحضاره لعلي أظفر بما يعينني على أداء المهمة الصعبة ففشلت، رغم ما أبداه كوكب من إعجاب بما كتبت وشرع فعلا بتلحين عدد من نصوصي وعبر عن ذلك في أكثر من حوار تلفزيوني معه.المسرح الرحباني هو الآخر مثار جدل لأنه مسرح استعراضي غنائي على حساب الدرامي، في أحيان، لكنه مسرح فيه تشويق وجدير بالمتابعة، على أنني أحببت، بشكل خاص الأوبريت/المسرحية "سهرة حب" أكثر من غيرها.ثمة أغنيات تعلق في ذاكرة المتلقي أكثر من غيرها، وهنا ثمة أسباب شخصية جداً، مثل أي شيء آخر في الفن والأدب والحياة، والأشخاص من نساء أو رجال، عطراً أو كلمة أو قبلة أو حواراً ذكياً .أغنية مثل "سألتك حبيبي لوين رايحين" ترصد حالة العاشق العربي الخائف "ليش بنتلفت خايفين؟" أغنية تعلن الحب في وجه الممنوعات وتقاليد القمع والكبت، وهي تمثل الأغنية النموذج ضد ما تعارف عليه بـ"الأغنية السياسية" التي تعتمد الهتافات السياسية المباشرة، كما قال الشاعر الغنائي المصري مأمون الشناوي عندما سئل عن "الأغنية السياسية" أجاب: "ليست هناك أغنية سياسية، إنما ثمة أغنية فقط تعبّر عنا، وليست الأغنية التي تطلق هتافات وشعارات ملحنة موسيقياً".فيروز تعبّر عنا.. أمس واليوم وغداً، وإلى الأبد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram