من أجمل وأهم البوستات التي تدفّقت على صفحتي الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في الأيام القليلة الماضية، هو الذي وصل ونُشر فيها أمس .. لم يتجاوز عدد كلماته العشرة، لكنه قال كلاماً في حالنا الراهنة يعادل ما يمكن أن يملأ عشرة كتب، وأكثر.
الكلام المهم لم تقله تلك الكلمات التي قلّ عددها عن العشرة، وإنما صورتان لم تزد مساحتهما معاً عن مساحة "بوستكارد". الصورتان كلتاهما منقولتان عن شاشة التلفزيون في زمنين مختلفتين. الأولى للراحل الاستاذ كامل الدباغ وهو يقدّم برنامجه الشهير، الجميل والناجح، "العلم للجميع" .. أهل زماننا يدركون حقّ الإدراك قيمة الأستاذ الدباغ وبرنامجه الرصين والمشوّق في آن .. كان واحداً من أهم البرامج التلفزيونية منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي، أسهم في نشر الوعي العلمي بين الناس من مختلف الأعمار.
الصورة الثانية، وقد وُضعت تحت الأولى في "بوست" الأمس، هي لمقدم برنامج تلفزيوني يُعرض هذه الأيام على إحدى القنوات، وكان قبلاً يُقدّم من قنوات أخرى، وهو النقيض تماماً لبرنامج الراحل الدباغ .. برنامج يصرَ إصراراً ويلحّ إلحاحاً على نشر الخزعبلات وأفكار وممارسات الشعوذة والدجل.
صاحب البوست الفيسبوكي هذا اكتفى بأن وضع على الصورة الأولى اسم برنامج الأستاذ الدباغ: "العلم للجميع"، فيما اختار للصورة الثانية الاسم الذي يستحقه البرنامج التلفزيوني الحالي : "الجهل للجميع"، أما بقية الكلمات في البوست فلم تزد على أربع أيضاً، دعا فيها صاحب البوست إلى مقارنة حالنا الراهنة بحالنا أيام زمان.
نعم بالضبط هذي هي حالنا الآن.. نحن متروكون للجهل وللجهلة إن اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً .. الجهل هو سيد الموقف في بلادنا اليوم، والجهلة هم الأسياد الجدد في هذي البلاد .. جهلة شاء الحظ العاثر للعراق وشعب العراق أن يكون مصير البلاد والعباد في أيديهم .. جهلة لا يريدون أن يتعلموا ولا يريدون للمتعلمين، ناهيكم عن المثقفين، أن يكون لهم دور في صناعة القرارات وتقرير المصائر.
في المدارس، بل حتى في الجامعات يجد الجهل مساحات شاسعة له، فيما تتقلص مساحة العلم والفكر الحر... وكل هذا يجري في الغالب باسم الدين أيضاً.
الحراك الشعبي الذي انطلق في الصيف الماضي اتخذ لنفسه جملة من الشعارات المعبّرة، بينها واحد يقول:/ "باسم الدين باكونا الحرامية" .. وهنا، في المدارس والجامعات كما في محطات الإذاعة والتلفزيون،، يجري نشر الجهل وتكريسه باسم الدين كذلك، مثلما يذبح داعش البشر ويحطّم الصروح التاريخية والحضارية باسم الدين!
في زمن كامل الدباغ و"العلم للجميع" كانت لنا دولة ( بعيوب غير قليلة)، أما في زمن "الجهل للجميع" فليس غير شبح الدولة أو ظلّها ... وفي هذا يكمن كثير من شقائنا الراهن.
الجهل للجميع !
[post-views]
نشر في: 7 ديسمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ام رشا
أحسنت ..احسنت ..افرحتني كلماتك وجعلتني اتفاءل كثيرا بان ليل هذا البلد لابد ان ينجلي ما دام بين ظهرانيه أناسا ينطقون بالحق ويرصدون ما الت اليه أمور البلد من انهيار ودمار..وحتما الغضب الساطع آت وانا كلي ايمان ..عاش العراق.
A. Fleyeh
استاذي الكريم نحن نعيش الدولة الدينية المغلفة وعلينا ان نكون اكثر جرأة عندما نطرح صورة الدولة امام الناس لماذا نتوضأ بالخرقة، ؟ لماذا لا نقول الكلمات كما هي؟ الجكومة و مستشارين احزاب الحكومة من رجال الدين ومراجعهم يتكلمون عن نجاح الزيارة الاربعيني