اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > بانتظار العودة الى مناطق سكناهم ..النازحون ووجع الحياة والذكريات

بانتظار العودة الى مناطق سكناهم ..النازحون ووجع الحياة والذكريات

نشر في: 12 ديسمبر, 2015: 12:01 ص

جميع الأبواب موصدة في وجوههم، غرباء داخل وطنهم، حالهم لا يختلف عن مَن يعيش في المهجر ما يميزهم عنهم لم يُطلب منهم جواز سفر اثناء تنقلهم بين مدن الوطن. النازحون الحلقة الأضعف في السلسلة السياسية والأمنية والاقتصادية، لكنها الأقوى في السلسلة الوطنية كو

جميع الأبواب موصدة في وجوههم، غرباء داخل وطنهم، حالهم لا يختلف عن مَن يعيش في المهجر ما يميزهم عنهم لم يُطلب منهم جواز سفر اثناء تنقلهم بين مدن الوطن. النازحون الحلقة الأضعف في السلسلة السياسية والأمنية والاقتصادية، لكنها الأقوى في السلسلة الوطنية كونهم يضمون جميع اطياف الوطن. في مدن النزوح يعيشون جنباً إلى جنب. يتقاسمون الحياة بحلوها.عيونهم تتطلع صوب مدنهم التي تفصلهم عنها سواتر وأوباش كما يوصفون! أفراحهم مخضبة بالحزن إن وجدت، لا يملكون سوى الدعاء الذي لم يُجاب بعد لإرادة إلهية، يباتون على بصيص أمل بأن غداً سيكون أفضل لكنه يختفي مع اشراقة شمس جديدة ليعاودوا الكرة ثانية من دون أي تغيير يذكر، لم تقدم لهم حكوماتهم سوى فتات المساعدات، كيف لا وهي عاجزة عن تقديمها لمن يقطن في مدينته الأصلية كما يقول نازح.

الدعابل ومدن الألعاب العصرية
لم يكن حال الأطفال النازحين أفضل من ذويهم فبعد أن حُرموا من ملاعب الصبا بسبب ماحصل لمدنهم، فُرضت عليهم ملاعب جديدة ملاعب لم يألفوها، او ربما لم تحتضنهم كما احتضنتهم شوارع مدنهم وقراهم. أحمد علي ابن الثمانية أعوام يقطن احدى ضواحي مدينة اربيل قادما اليها من الشرقاط تحدث لـ(المدى) بعبارات لا يمكن ترجمتها على الورق كونها تحمل دلالات كثيرة. فبعد أن كان يلعب كرة القدم في كنف داره برفقة أصدقائه فرقتهم عجلة الزمن. أمسى وحيداً اليوم في مدينة لا تمنحه سوى الأمن والأمان. كان احمد يلعب مع أصدقائه من أبناء الجيران في باحة المنزل أو في كنفه مختلف الالعاب وخصوصاً كرة القدم والكرات الزجاجة (الدعابل) لكن الالعاب تغيرت والمكان تغير عليهم ايضا فهم ملتزمون الان بأنظمة وعادات وتقاليد المدن التي تعد أكثر صرامة من عاداتهم وتقاليدهم. احمد يصف مدن الألعاب العصرية في اربيل انها ممتعة لكنها تحتاج إلى أموال من أجل أن نستخدمها وبما أن اهلي من النازحين فذهابي اليها مقتصراً على الأعياد والمناسبات. ممنياً النفس بالعودة إلى مدينته الأم ليشاطر أصدقاءه اللعب كونهم لا يملون او يكلون منه يبدؤون يومهم وينهونه لعباً فيها.

المال الفائض
على مرِّ العصور والأزمنة لم تتمكن المرأة في العراق من التمتع بأبسط حقوقها باستثناء فترة الحرية البسيطة التي مُنحت لها في خمسينيات القرن الماضي وما تلاه من سنين عدة ، فكيف سيكون حالها أن كانت هذه المرة مكبـّلة بوثاق جديد اسمه "النزوح" أم سلوان 45 عاماً نازحة أنبارية تقطن في احدى أحياء مدينة كركوك تحدثت لـ(المدى) عن متنفس المرأة في زمن النزوح قائلةً: منذ ما يزيد على العام والنصف أسكن انا وعائلتي في بيت مكوّن من دورين تقطن عائلة شقيق زوجي في الطابق العلوي منه، مسترسلة: منذ أليوم الأول لوجودنا في هذه المدينة لم نخرج من منزلنا إلا للضرورة بحكم ان العادات والتقاليد المتبعة في هذه المدينة تختلف عن مدينتنا الأم إضافة إلى أن الخروج لأماكن التنزه والترفيه تحتاج إلى بعض المال الفائض عن الحاجة ونحن ما نفتقر اليه.

الكوافير والمولات
واضافت أم سلوان: جميع النساء اللواتي يشاطرني البيت والبالغ عددهن (5) ربات بيوت اي انهن غير مرتبطات بوظيفة او دراسة، مبينة: انهن يمتعن انفسهن بمتابعة التلفاز طوال اليوم هو متنفسنا الوحيد الذي لا نعرف لولاه كيف سيكون حالنا فيما نجلس على باب الدار في أوقات العصر بعض الأحيان رفقة جاراتنا نتبادل أطراف الحديث لبعض الوقت او نقوم بزيارة بعض العوائل النازحة القريبة من محل سكنانا.
متمنية: أن تعيش حياة أكثر راحة واستقراراً كما تعيشها بقية النساء اللواتي يستمتعن في الترفيه عن أنفسهن بالذهاب إلى "الكوافير" والتجول في "المولات" والأسواق العامة، لقد مللنا من معيشتنا التي أضحى روتينها قاتلاً ، فنحن نعيش حالة من الموت البطيء من دون أن نعي ذلك برغم كل ما يلم بها إلا أن حالها وحال من يشاطرها السكن  أفضل من حال النساء القاطنات في المخيمات كونهن يتسلين بآلامهن حسب وصفها.

دفء وحنين "القيارة"
العم حميد الجزاع القادم من مدينة القيارة جنوب الموصل لم أستطع أن أسأله عن عدد السنين التي عاشها لكنه يناهز السبعين إن لم أكن مخطئاً، التقيت به في مقهى شعبي بمدينة اربيل في سوق القلعة، حدثني بكلمات تخضبت بدموعه التي لم يستطع إخفاءها قائلاً لـ(المدى): مدة مكوثي في هذه المدينة تقترب من العام والنصف، هربت اليها رفقة أحد أبنائي الذي يعمل في إحدى المؤسسات الأمنية. موضحاً: ان المدينة جميلة جداً وأهلها اناس طيبون منحونا كل شيء، باستثناء دفء حضن أمنا "القيارة" فقد اصبحوا عاجزين عن فعل ذلك.

مضيف القرية والشعر
توقف العم حميد من أجل تجفيف منابع الدمع المنهمر من مقلتيه مستخدما في ذلك يشماغه الأبيض مضيفاً: انا عمك من نعومة أظفاري وانا استيقظ قبل إطلالة قرص الشمس كي استمتع بذلك المنظر الجميل، بعدها أتجول لأكثر من نصف ساعة بين الحقول المحيطة بمنزلي لأعود إليه ثانية لأجد "عمتك" أم ابراهيم قد أعدت إفطارا شهيا أتناول ما قسم الله لي وأتجه صوب (مضيف) قريتنا لأجد أغلب من أحب قد سبقني إليه فيما يصل البقية بعد أن أصل بقليل. مضيفاً: في ذلك المكان كنا نتبادل أطراف الحديث بطريقة ودية، احدهم يسمعنا أبياتاً من الشعر فيما يجود الآخر علينا بقصة وعبرة تعود لمرحلة ما من تراثنا العربي.

شمس الصباح والبنايات
واسترسل العم الجزاع: كان الوقت يمر بسرعة لأعود الى منزلي مع حلول الظهيرة كي أقضي ما تبقى من يومي رفقة عائلتي. وعن حاله اليوم في مدينة "النزوح" قال: حالي اليوم لا يسرّ كوني اقطن في شقة صغيرة باحدى ضواحي المدينة منعتني تلك الشقة من ان استمتع باشراقة شمس الصباح التي باتت تطل علينا بعد العاشرة صباحاً بسبب حجبها من قبل بنايات المدينة الشاهقة، فلم يعد باستطاعتي الخروج منها كثيرا كونها في الطابق الثالث من العمارة أعجز عن الصعود والنزول باستخدام السلالم. مسترسلا: في بعض الأحيان آتي الى هذا المكان كي اجلس لبعض الوقت بين مَن يشاطرني العمر والنزوح وهم قلة قليلة لأعود صوب المكان الذي قدمت منه، منهياً حديثه ببيت من الشعر الشعبي واصفاً حاله فيه كحال الطير الذي يعود إلى عشه مع حلول الظلام ليجد أن فراخه قد التهمتهم إحدى الأفاعي!
لم استطع ان أخفي دموعي أثناء وبعد توديعي العم (حميد) الذي لم يكن يعلم أنني صحفي وان الكلمات التي خرجت من فِيه بعفوية بالغة ستترجم على أوراق احدى الصحف العراقية، ممنياً النفس بأن يتم قراءتها من قبل مَن يملك مفتاح الحل كي يعيد العم (حميد) الى مدينته رفقة ما يربو على ثلاثة ملايين نازح جعلتهم آلة الحرب يعيشون أسوأ ايام حياتهم، وانا أحدهم.

مواقع التواصل الاجتماعي الأم الحنون للنازحين
أكثر من خمس عشرة ساعة يقضيها النازح فؤاد العياش متواصلا مع اصدقائه من على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) استطاع أن يسهم بطريقة أو بأخرى في التخفيف عن كاهل النازحين عبر قيامه بنشر مجموعة من الأفكار والطرائف التي تلامس حياة النازحين. العياش ذكر لـ(المدى) أن مواقع التواصل الاجتماعي تكاد تكون المتنفس الوحيد للنازحين، فهي من تجعلهم أكثر قرباً من بعضهم البعض على الرغم من بُعد المسافات في ما بينهم، مضيفا: كذلك مساهمتها باطلاعهم على آخر الأخبار التي تتحدث عن مصيرهم المجهول، كما تمكنهم من معرفة أخبار ذويهم القابعين في المناطق التي تقع خارج سيطرة الحكومة.
 ناشط آخر على موقع (فيس بوك) يدعى غفار الدوخي ذكر لـ(المدى) ان مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً موقع (فيس بوك) جعل النازحين يعيشون حياة افتراضية مكنتهم من تناسي هموم النزوح المؤلمة بكل تفاصيلها التراجيدية لفترة مؤقتة، معتبرا: ان العيش كنازج من دون تلك المواقع هو بمثابة العيش خلف قضبان سجن كبير على حدِّ وصفه. مشيدا: بدور مجموعة الصفحات الاجتماعية على تلك المواقع التي أسهمت إلى حدٍ ما في إضفاء أجواء البهجة على حياة الناس البائسة ومنهم النازحون.

نازحون شباب "الرياضة" متنفسنا الوحيـد
في مجمع الزيتون السكني بمدينة اربيل الذي يحتوي على أربعة آلاف وحدة سكنية يشغل النازحون منها ما نسبته أكثر من95%. في احدى فضاءات ذلك المجمع يجتمع العديد من الشباب من أجل ممارسة مجموعة من الألعاب الرياضية تصدرها كرة القدم والطائرة. النازح محمد لطيف تحدث لـ(المدى) : بعد أن قطنا في هذا المجمع منذ ما يقرب على العام والنصف،عكفنا على تنظيف هذا المكان وأقمنا فيه ساحة لممارسة هوايتنا المفضلة كرة القدم. ومنذ ذلك الحين باتت المتنفس الوحيد لنا. مضيفا: أن أغلب شباب المجمع يأتون كل يوم لممارسة هذه اللعبة فيما يقف الكثير حولنا للاستمتاع بمشاهدة مبارياتنا الودية، التي أصبحت بمرور الوقت أكثر تنظيماً.  على مقربة من ملعب كرة القدم هذا شاهدنا مجموعة من الشباب يمارسون لعبة "الكرة الطائرة" متناسين بها هموم النزوح لوقت مؤقت فيما ينشغل البعض بالترفيه عن نفسه بالجري حول ساحات اللعب هذه. أحدهم ذكر لنا: ان ضعف الإمكانيات المادية المتاحة للنازحين جعلتهم يلجؤون الى ممارسة الرياضة دون التوجه إلى المقاهي و"الكازينوات" التي تحتاج إلى بحبوحة كي يستطيع الفرد التوجه اليها .فيما لا تحتاج ممارسة الرياضة الى اكثر من تجهيزات بسيطة متوفرة لدى الجميع وهي أكثر نفعاً للجسم والجيب على حدٍ سواء حسب قوله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. غفار الدوخي

    احسنت استاذ علي البيدر تحقيق يقترب كثيراً من الواقع الذي يعيشه اهلنا النازحون،، تحية لقلمك وهو يلتقط صورة فوتوغرافية لمعاناة النازحين وواقعهم وحياتهم اليومية

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram