اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ليلـة في العراء

ليلـة في العراء

نشر في: 11 ديسمبر, 2015: 09:01 م

حين كنا في الأقسام الداخلية خلال الثمانينيات كان طلبة بغداد يحسدوننا على اسلوب معيشتنا فيها ليس لأننا اصحاب قرار بعيدا عن آبائنا ويمكننا ان ندير حياتنا بأنفسنا وليس لأن الاقسام الداخلية كانت تضم طلبة من كافة انحاء العراق بقومياته وطوائفه المختلفة ، بل لأنها كانت أفضل من منازل بعضنا واغلب الطلبة فيها من ابناء الطبقة المتوسطة فهي واسعة وحديثة ومؤثثة بكل مانحتاجه من متطلبات المعيشة يضاف اليها منحة مالية كنا نستلمها في نهاية كل شهر تفوق حاجتنا الى الإنفاق ويسلمها بعضنا الى اهله او يشتري بجزء منها هدايا تسعدهم خلال زيارتنا لهم ...
في يوم الاربعاء الفائت ، شبَّ حريق في مجمع للاقسام الداخلية التابعة لجامعة بغداد بسبب تماس كهربائي وكانت نتيجة ذلك ان تم انقاذ الطلبة بصعوبة وقاموا بذلك بأنفسهم لأن انتظار انقاذهم كان يمكن ان يحولهم الى جثث محترقة لذا اقدموا على تحطيم النوافذ المغلفة بكتائب حديدية وخرجوا منها وهم في أشد حالات الاختناق بينما لم ينتظر طالبان منهم مبادرة كهذه وفضلوا القاء انفسهم من اعلى البناية فالكسور والرضوض افضل بكثيربالنسبة لهم من الاحتراق !!
لا نريد هنا ان نصف طبيعة المعيشة الحالية في الاقسام الداخلية فأغلبنا يعرف انها لا تسع الطلبة وانهم مكدسون فيها كاسماك السردين وكل حجرة صغيرة فيها تضم ما يقارب 15 طالبا كما انها لا تحوي أثاثا مناسبا ويعاني الطلبة فيها من الحر صيفا والبرد شتاءً وهؤلاء الطلبة مطالبون بأن يعيشوا كغيرهم ويدرسوا كغيرهم وينفقوا كغيرهم بينما ينحدر اغلبهم من عوائل فقيرة او متوسطة ولا يتلقون منحة مالية، بل يدفعون سنويا مئة الف دينار مقابل سكناهم فيها عدا التعويضات التي تترتب عليهم مقابل الاضرار التي تصيب ما يضمه القسم من اثاث قليلة وبالية ...نريد هنا ان نصف الليلة التي عاشها الطلبة المرتعبين بعد هلع الحريق إذ عجز المسؤولون عن ايوائهم بفتح ابواب الجامعة لهم على سبيل المثال ليقضوا الليلة فيها او توفير بناية اخرى لهم او أي حل سريع آخر وهكذا قضى الطلبة ليلتهم في العراء متلفعين بالأغطية ودون ان يحاول أي مسؤول في الجامعة او الحكومة مساعدتهم او مشاركتهم مأساتهم على الأقل ..ففي الوقت الذي يجب ان  يحتضن مسؤولو دولتنا الجديدة شبابنا ويدفعونهم الى الامام لتحقيق احلامهم وطموحاتهم ، نجدهم لا يتعاملون معهم بإنسانية ولا يوفرون لهم مستلزمات النجاح والأخطر من ذلك ان يزورهم معاون رئيس الجامعة لا ليطمئن على سلامتهم او لينقذهم من المبيت في العراء، بل ليوبخهم ويصرخ بهم :" ما الذي جاء بكم الى بغداد ، لِمَ لا تدرسون في محافظاتكم ؟"
بغداد هي القلب الكبير الذي احتضننا لسنوات ومنحنا العلم والمعرفة ووضعنا على عتبة الحياة الحقيقية فهل تبخل الآن على شريحة الشباب الذين يمثلون اللبنة الاساسية لبناء الوطن أم ان المسؤولين في دولتنا الجديدة باتوا يبددون المليارات على شؤونهم الشخصية ومشاريعهم الوهمية ويصدرونها الى دول اخرى بينما يبخلون على شبابها باقسام داخلية مناسبة ومعاملة انسانية وتحفيز معنوي ؟ انه السؤال الذي أجاب عنه معاون رئيس الجامعة ورئيسها وعمداؤها وتغاضى عنه وزراؤها ومسؤولوها الكبار ..أما الطلبة انفسهم فربما بدأوا يفكرون فعلا بمغادرة حضن بغداد التي أسكنتهم في العراء وربما يفكرون بعدها بمغادرة حضن الوطن الذي لم يعد يتسع لهم !!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram