TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حلّ الأزمة مع تركيا

حلّ الأزمة مع تركيا

نشر في: 11 ديسمبر, 2015: 09:01 م

إذا كنّا سنعالج مشاكلنا كلّها مع جيراننا جميعهم وسائر الدول ونقرّر علاقاتنا بها بهذه الطريقة، فسيأتي يوم لن نجد فيه أي وقت للانصراف إلى حلّ مشاكلنا الداخلية العويصة والمتفاقمة التي تتطلب أن نكون في سلام راسخ مع النفس ومع الآخرين، بل لن تكون لدينا دولة في الأساس.
جارتنا تركيا انتهكت أحكام القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية وقواعد العلاقات بين الدول وبخاصة المتجاورة، بدفعها بعضاً من قواتها المسلحة إلى إحدى مناطق محافظة نينوى، بعيداً عن المناطق التي كان لها فيها وجود عسكري قديم الزمن نسبياً، منذ تسعينيات القرن الماضي، تعلم به الحكومة العراقية ولم تعترض عليه، وتعاملت معه كأمر واقع لم يحن بعد الوقت المناسب لفتح ملفه بسبب المواجهة مع خطر الإرهاب الماحق المتمثل بالقاعدة سابقاً وداعش حالياً.
بعض القوى السياسية وغيرها بدا وكأنه قد وجد في العملية التركية الهدية النازلة من السماء لتصفية حسابات سياسية مع أنقرة،  فجيّش الجيوش، الكلامية، مهدّداً أنقرة بالويل والثبور ومتّخذاً إجراءات تلحق الضرر بنا أكثر من تركيا.
بالطبع هنالك فرق بين انطلاق احتجاجات شعبية مناهضة للتمدد التركي ومدافعة عن السيادة الوطنية، وبين أن تتصرف قوى سياسية وقوى مسلحة كما لو أنها هي الدولة، بالتحريض على قطع العلاقات في الحال وإغلاق الشركات التركية التي تنفّذ مشاريع في البلاد بموجب عقود واتفاقات، وحتى التهديد بقتل المواطنين الأتراك العاملين في هذه الشركات!
كل دول العالم تواجه مشاكل مع جيرانها وغيرهم، وأمر معالجة هذه المشاكل يُترك عادة للحكومات وسائر هيئات الدولة المنتخبة وغير المنتخبة، فالدولة هي المكلّفة من المجتمع بإدارة ملفات العلاقات الخارجية مثلما هي مكلّفة بإدارة المجتمع والشؤون الداخلية.
ومن المعتاد أن تعالج الدول مشاكلها مع الغير بمستويات مختلفة تعطى فيها الأولوية والأرجحية للوسائل السلمية عبر الطرق الدبلوماسية، فإن لم يثمر هذا الأسلوب يكون لكل حادث حديث، لكنّ حديث قطع العلاقات والتهديد باستخدام القوة يأتي في نهاية المطاف وليس في بدايته.
الطغاة من نمط صدام حسين هم الذين يذهبون إلى النهايات المتطرفة منذ اللحظة الأولى، وهذا ما فعله صدام بشنّه الحرب ضد إيران ثم ضد الكويت.. والنتيجة الخراب التام والدمار الشامل المتواصلان حتى اليوم.
ارتفعت مطالبات صاخبة بقطع العلاقات ووقف عمل الشركات التركية، بل إن اثنين من مجالس المحافظات بينهما مجلس محافظة بغداد قد اتخذا القرار بايقاف عمل هذه الشركات، فضلاً عن التهديد بمهاجمة القوات التركية، والمؤسف أن مسؤولين حكوميين مشوا في الأثر، كما لو كانوا في منافسة أو مزايدة مع القوى السياسية والمسلحة التي اختارت أسلوب التصعيد.
هذه المواقف المتطرفة لا تخدمنا، فهدف إعادة القوات التركية، وهي محدودة، يمكن تحقيقه بالاتصالات والضغوط المباشرة وعبر الهيئات الدولية التي ينتمي إليها العراق وتركيا. قطع العلاقات ووقف عمل الشركات التركية سيضرّ بنا أكثر مما يضرّ بتركيا. الشركات التركية تنفّذ مشاريع نحن في حاجة ماسة لها، ومصلحتنا تقتضي التعجيل في إنجاز هذه المشاريع وليس تعطيلها الذي سيعني تحمّلنا تكاليف مضاعفة لإعادة العمل فيها إذا ما بقيت متوقفة فترة طويلة.
الموقف السليم الذي يحقق المصلحة الوطنية في ما يتعلق بالأزمة مع تركيا هو أن يُترك هذا الأمر للحكومة والبرلمان، فهذه واحدة من مهماتهما وليست مهمة أي جهة أخرى سياسية أو مسلحة، فليس من الصحيح ولا من المصلحة الوطنية أن يتولى أحد غير الدولة مهمات الدولة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram