TOP

جريدة المدى > عام > هل ما نزال نعبد الأصنام؟

هل ما نزال نعبد الأصنام؟

نشر في: 13 ديسمبر, 2015: 12:01 ص

"إذا كنت تستطيع اكتشاف طريقة للحياة، فأنت أفضل للحكم من الحاكمين. لأن المدينة الحسنة بك تكون ممكنة."هذا القول لافلاطون. بقيَ أن نعرف المقصود باكتشاف طريقة للحياة. هنا وجب ان نفكر بهدوء بما سبق ان كان متّفقاً عليه أو ما ورثناه من تفكير. ولكي نعيد التف

"إذا كنت تستطيع اكتشاف طريقة للحياة، فأنت أفضل للحكم من الحاكمين. لأن المدينة الحسنة بك تكون ممكنة."
هذا القول لافلاطون. بقيَ أن نعرف المقصود باكتشاف طريقة للحياة. هنا وجب ان نفكر بهدوء بما سبق ان كان متّفقاً عليه أو ما ورثناه من تفكير. ولكي نعيد التفكير نحتاج أولاً لأن نتخلى عن تبني الافكار الاولى الشائعة أو المتداولة أو التي تتحكم بالناس والحياة من غير مراجعة لها بين حين وحين. وهذا يعني ان نفكر  بصلاحها او بما هو اصلح منها.
إذن بدأنا التأمل. وهنا نكون قد تواصلنا مع ارسطو في قوله ان السعادة في التأمل، في اثنائه او في نتائجه.
نحن للأسف عُبّاد أوثان. كنا قبل الاسلام عبدة أصنام وبقينا بعد الإسلام عبدة أصنام. سواء أكانت هذه الاوثان او الاصنام حجاراً او كانت شخوصاً او افكاراً. رفضُها اما تمرد أو زندقة أو خروج عن الجماعة والعقاب دائماً هو "قتل" نزعة التمرد او الرفض او الخروج. والقتل مرةً جلداً وحبساً ومرةً قتلاً بالسيف وإقامة الحد أو القتل بالنفي او الحرمان.
المشكلة أن أي فكر كان ، فكر الحاكم أو السلطة، يصبح وسيلة أو سبباً للقهر أو للتسيّد أو لقتل الخارج عن ذلك الفكر !
معنى هذا أننا يجب ان نعبد الصنم الجديد! وفي تاريخنا العراقي الحديث شهدنا أحداثاً متواليةً ، واحدا يرث اداة او طريقة القتل التي كانت عند سابقِهِ و كأنه وجدَ فرصته المنتَظرة. الشعار أو القانون الموروث، بايجاز، هو ان اكون أنا وأنت لاتكون. وهو قانون جائر غاشم ولا علاقة له بفكر اليوم ولا بالحضارة فضلا عن ان كل الأديان طلبت ان تعامل غيرك بما تود ان يعاملوك به. وقد صار ذلك السلوك اليوم مستنكراً ثقافياً كما هو مدان دولياً بموجب حقوق الانسان. لا مصادرة للعقائد، لامصادرة للحريات.
نحن إذاً نسلك خلاف العصر ومنطقه. وخلاف العصر ومنطقه نتحكم و"نقتل" مخالفينا في الرأي وأحياناً في اللغة والقومية وقد يصل السوء حداً فيلحقك الايذاء بسبب المدينة! فحتى الآن هناك العشيرة المفضلة القوية أو الحاكمة. وحتى الآن هناك المذهب المفضّل أو الحاكم وحتى الآن علينا ان نعبد صنماً من تلك الانواع!
نعم السبب الكامن هو اقتصادي وأنه بهذه الطريقة من الإبعاد والنفي أو القتل تتم ازاحة منافسين. فالفرصة مضمونة لآل المتسيّد أكثر مما هي متوافرة  للجميع أو بين عدد أكبر. هي إزاحة من أجل الاستحواذ وهذا مُخَبأ وراء فكر سياسي أو وراء ديانة أو وراء مذهب أو طائفة وأحياناً وراء لون أو جنس.
لكن هذا في الشأن المادي الحياتي المباشر وما نزال نحن نواجه القسر او التمييز او ما أسميناه بالقتل الفكري: أنت شيوعي وأنا بعثي إذاً أنا أكرهك، إذاً أنت يجب أن تغيب أو تخمد. والعكس وارد تماماً وبالضبط! ثم أنا إسلامي وأنت بعثي أو شيوعي أو من دين لا ارضاه، إذاً يجب ان تكون بعيداً عن الفرص والاضواء أو عن مملكتي!
ما هو الحل؟
 الحضارة حولنا ونحن لا نفيد منها. نحن حتى الآن برابرة. والبرابرة تاريخيا، وبانواعهم، هم من اسقطوا الحضارات .. فهل لنا فرصة للتحضر والانسجام بالعصر ام اننا نبقى مناطق للقتل، للذبح بالسيف أمام العالم وفضائياته، للغزو ، للكيد والتآمر على النطاق العام وللتناحر والايقاع على نطاق البلد والدائرة والسوق وحتى المعهد التربوي وحتى حين نكون في مرفق نكتب فيه أدباً او نصنع فناً؟ وهل احد يمكن ان يأمل بتحول اخلاقي اصيل ممن يحملون ارثهم ويتظاهرون مزهويين فيه فهو إرث دموي مؤذٍ للحياة القديمة ويواصل ايذاءه و يواصل سفك الدم أو "القتل" في الحياة الجديدة؟
وهل نأمل خيرا بتجديد مناهج الكتب، بأساليب التربية ونظرياتها، بعمل اتاتوركي قاصم حاسم، أو بتدخل دولي وفرض أنظمة وتدجين بالقوة؟ وهل ما تم مع الهنود الحمر يصلح لنا وهو مستنكر اليوم لايرضاه احد؟ هل نفرض المعتقدات بالغزو حاملين اسلحتنا الحديثة ؟ لكن السيف القديم لم يفرض الدين، فرضه فكر دعا للعدل في شعوب كانت تعاني الظلم والفساد الاداري والاخلاقي والا لما استجابت ولا تمكن احد اصلا من الانتصار حربيا عليهم!
لنترك التعميم ولنبق بحدود الوطن وحدود المرحلة. اما حان الوقت لان نفكر بعدم ارغام الناس على عبادة اصنامنا، أفكاراً أو شرائع أو اجتهادات؟ هل نستطيع ان نقول للآخر ان اختلاف افكارنا يمكن ان يُنضج حلاً بدلاً من أن يشعل ناراً أو فتنةً أو يعرض احدنا للقتل؟
في مجمل الأجوبة قياس جيد لتتأكد هل انت متحضر أم لا؟ هل أنت مثقف أم لا؟ هل أنت مع الانسان و حرية التفكير ام لا؟ هل تقر بشراكة الاخر في الوطن أم تراه غريبا يجب ان يُعزل أو يُنفى أو كما قلنا أن "يقتل" بطرائق القتل التي ذكرناها؟
اظن هذا المقتبس، الذي سأوردهُ يصلح لأن يكون خاتمة هادئة لحديثنا وهو قصة سردها المؤرخ العريق هيرودوتس بعد موت الطاغية بوليكراتس الساموسي وقد رواها مؤلف كتاب "السعادة" نيكولاس وايت. اليك القصة الخاتمة:
"ان صولجان بوليكراتس أصبح ملك يميني. وبذلك يمكنني، ان شئت، ان اصبح سيدكَ المطلق. ومع ذلك  فإنني امتنع بقدر ما استطيع عن أن افعل ما أوبخ الآخرين إذا فعلوه. انني لن أوافق على تصرف أي شخص آخر تطلّعَ الى السلطة على حساب الناس. والآن وبما أن بوليكراتس قد لقي حتفه فإنني أنتوي أن اتخلى عن السلطة وأن أُعلن أنك شخص مساوٍ لي أمام القانون..."
يا سادة هذا الكلام رواه هيرودوتس في اليونان القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد فهل نستطيع ان نقول مثله نحن اليوم في القرن 21 وقد تسلمنا الصولجان أو الحكم أيضاً بعد الطاغية؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

"كِينْزُو تَانْغَا"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5842-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

د. خالد السلطانيمعمار وأكاديميعندما يذكر اسم "كينزو تانغا" (1913 - 2005) Kenzō Tange، تحضر "العمارة اليابانية" مباشرة في الفكر وفي الذاكرة، فهذا المعمار المجدـ استطاع عبر عمل استمر عقوداً من السنين المثمرة ان يمنح العمارة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram