المتورطون مثلنا بالعمل في حقل الافكار متهمون بصفتين: الانبهار بالافكار المنحرفة والعميلة. اما من يحسن الظن بنا ويعتقد اننا لسنا عملاء فيتهمنا بصفة اخرى هي اننا رومانسيون وحالمون. ومع انني صارم الى حد كبير ولا احظى بموهبة رومانسية تذكر، الا ان بعض المتابعين يكتب لي انني افكر بطريقة رومانسية، لانني ادعو الى تنشيط الدبلوماسية مع انقرة وواشنطن والخليج، بدل التهديد والوعيد الاكبر من وضعنا الحالي احيانا.
وربما اكون حالماً رومانسياً حقا، حين اتصور امكانية ظهور تيار سياسي عقلاني، وسط تردد الساسة، والجنون الذي يضرب الناس. اذن هناك جزء كبير من ساستنا وشعبنا يعتقدون ان الدبلوماسية هي حل رومانسي، وان بناء تحالف متماسك اقليمي ودولي ينخرط فيه العراق، هو حل رومانسي، وان بناء ثقة مع الدنيا هو حل حالم، وان التخلص من لغة التهديد التي تنتهي دوما بهزائم كبرى هو مقترح غير قابل للتطبيق.
ان علينا ان نواصل التساؤل: لماذا يوجد اتجاه سياسي وشعبي واسع، يعتقد ان السياسة الحديثة هي رومانسية، وان علينا حمل البنادق لادارة خلافاتنا مع الجيران ومع العالم ومع انفسنا في نهاية المطاف. لماذا نهتم بالبندقية فقط ولا نبذل جهدا لتطوير السياسة والدبلوماسية؟
حاولوا ان تمروا على التاريخ القريب. ما رأيكم برومانسية الكويت؟ لقد قمنا باحتلالها، لكن اهل الكويت كانوا ناجحين في بناء ثقة وشراكة مع الدنيا، فهبت كل الدنيا لمساعدتهم وسحقونا. نحن نسمي هذه الثقة مع الدنيا بالعمالة، ونرفض ان نكون محل ثقة كي لا نصبح عملاء!
كردستان ايضا تبني ثقة مماثلة بالدنيا من سنجار الى كوباني. ماذا قال اوباما حين اقترب داعش من اربيل؟ قال ان اميركا تشجع تنوع الثقافات، وتحترم كردستان التي تتكيف وتتعايش وتنفتح على التنوع الثقافي والقومي. هذه عبارة عميقة حاولوا ان تفكروا فيها. ومن هذه النقطة يمكن ان ننتبه الى ان معظم قادة كردستان يتكلمون اللغة الايرانية ويتمسكون بطهران، وفي نفس الوقت يتواصلون بعمق مع عواصم الخليج ويجعلون اميركا في اولوية الاولويات. لماذا لا تعجبكم "رومانسية الاكراد" في بناء السياسة الخارجية، والتي تساعد مجندات البيشمركة الجميلات على استخدام البنادق بشكل افضل؟ دعني اسألك: كيف ستقنع كردستان بالبقاء معك في عراق مجنون يثير المشاكل ويخرب العلاقات عند ابسط خلاف ويسمي الثقة عمالة والدبلوماسية رومانسية مضحكة حالمة؟
واحد من طرق الخروج من مأزق العراق هو ان نفهم ماذا تعني عبارة "من الضروري ان يتحول العراق الى شريك مسؤول وموثوق للدنيا"! كيف نشرح هذه العبارة؟ هل يمكن لوزير خارجيتنا ان يشرح لنا فهمه لهذه البديهية الاولية في سياسات الامم المتحضرة؟ لماذا لا تجربون "ملعقة رومانسية" وسط "حلاوة الدم المصبوبة بطشت عملاق" في اخر ٦٠ سنة عراقية؟
الرومانسية من الكويت الى كردستان
[post-views]
نشر في: 12 ديسمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 3
قيران المزوري
كم انت رائع و جميل ،، الصادق والعراقي الاصيل
حيدر الموسوي
اقول لكاتب المقال العراقيون اذا تركوا لطبيعتهم التي خلقوا بها من دون قسر او تدخل فهم اما في اقصى اليمين او اقصى اليسار وهذا هو ما نسميه في ادبيات السياسة بالتطرف ويناقضه الاعتدال الذي يسمى في بعض الادبيات بالعقلانية او الوسسطية لذا لا يجب علينا التعويل عل
مدحي مندلاوي
غالبا ما نبتعد عن قراءة الصحف المحلية ، وحتى تعليقات فضائياتنا حول الامور التي تتعلق بالداخل العراقي . وناخذ معلوماتنا من وسائل الاعلام العالمية التي نثق بمصداقيتها ، وبثقافة كتابها . بعد قرائتي لهذا المقال البسيط بكلماته والعميق بمعانيه، ابتسمت وقلت في ن