في الرابع من تشرين الثاني الماضي ، توجت لجنة التحكيم لجائزة فيمينا الرواية الأولى للصحفي والكاتب الفرنسي كريستوف بولتانسكي والتي تحمل عنوان ( المخبأ ) ..وكان بولتانسكي قد رشح للفوز مع كاتبين آخرين هما بوعلام صنصال عن روايته (2084) وهادي قدور عن
في الرابع من تشرين الثاني الماضي ، توجت لجنة التحكيم لجائزة فيمينا الرواية الأولى للصحفي والكاتب الفرنسي كريستوف بولتانسكي والتي تحمل عنوان ( المخبأ ) ..وكان بولتانسكي قد رشح للفوز مع كاتبين آخرين هما بوعلام صنصال عن روايته (2084) وهادي قدور عن روايته (المتفوقون ) ...
وتعتبر عائلة بولتانسكي من العوائل الفكرية التي لم تتوقف عن التألق منذ ثلاثة اجيال في الأدب والفنون والبحث اذ كانت البداية مع جده (آتيان بولتانسكي )عضو الاكاديمية الطبية وزوجته الروائية مريام التي استخدمت اسما مستعارا هو (آني لوران) ، ثم الجيل الذي تلاه وهو جيل الآباء ويضم (جان ايلي ) اللغوي رفيع المستوى و(لوك) عالم الاجتماع الشهير ، و(كريستيان ) الرسام والفنان التشكيلي المعروف ، وبعد ذلك يأتي جيل الاحفاد ويضم (كريستوف ) الصحفي والكاتب والمؤرخ ومن كل هؤلاء تمتلئ ارفف المكتبات بالكتب ...
لم يكن الحفيد كريستوف بولتانسكي بحاجة الى الالتصاق بإرث اسرته الادبي ليثبت جدارته فقد تمكن من ولوج عالم النخبة الفرنسية بأول روايته ...ورواية ( المخبأ ) هي احتفال ذاتي بالنسبة له فهو يغوص من خلالها في عالمه الاكثر حميمية ليكشف السر ويصل الى نواة هذا العالم ..انه يتناول ذاكرة عشيرة تعيش قوانينها وندوبها الخاصة دون ان تبوح بها لذا صار من اللازم الغوص فيها من قبل الكاتب للكشف عن هذه الملحمة ..
تبدأ الاحداث من نفي اليهود من اوديسا الى فرنسا في القرن التاسع عشر حيث لايبقى لدى العائلة الا (السماور ) – غلاية الشاي الروسية – وصدى اللهجة الروسية للجدة نيانيا ثم تأتي نقطة التحول التاريخة للرواية مع نشوب الحرب العالمية الثانية وترتبط ارتباطا وثيقا بارضية الكتاب وهندسته المعمارية التي يضع بولتانسكي هيكلها..
في شارع غرونيل في الجادة السابعة للعاصمة الباريسية ، يقوم فندق مزخرف يدل على وجود نخبة كاذبة ...ففي الحي الراقي وفي قلب الحياة الفكرية والفنية الفرنسية ، يقوم هذا العالم المغلق المحصن في قصر خال من الترف والنضارة الى حد ما حيث يتكدس فيه السكان وكأنهم محشورون في مركبة صغيرة ..هناك اطفال في كل زاوية من القصر ، بعضهم ينام على الارض في حجرة الوالدين ولايجدون فرصة للاغتسال ويقضون وقتهم في ممارسة وسائل تسلية غريبة ومعقدة..
من جهتها ، تحاول الجدة التي تطلق على نفسها لقب ( الجدة الكبيرة ) والتي تعاني من شلل الاطفال ان تتغلب على عوقها بازدرائه فاطفالها هم عكازاتها لكن قوتها هي التي تسيطر على الاسرة..
وتشبه رواية بولتانسكي خارطة منزل فكل فصل يفتح الباب على حجرة جديدة ونحن نتقدم خطوة خطوة لحل لغز العائلة وكشف غموضها ..فالجد الذي يختفي خلال الحرب بسبب مطاردة اليهود يفتعل خلافا عائليا ويطلّق زوجته ويخرج لليلة واحدة مع افتعال مايكفي من الضوضاء ليشاهده الجيران ، لكنه لن يكون بمأمن اكثر من القصر ذاته حيث ينتهي به الأمر في (المخبأ ) السري في منزله الخاص مع اختفائه من عالم اسرته الذي سيؤثر على جميع افرادها ولوقت طويل اذ لايمكنهم ابدا توقع وجود الجد بينهم..
ويقول بولتانسكي ان القصة حقيقية والشخصيات موجودة وقد تمكن من جمع ذكريات الطفل مع ذكريات البالغين لتاليف لوحة انطباعية وذاتية غنية وحساسة ودقيقة ..لقد كتب بولتانسكي القصة الحقيقية لعشيرته كما لو انه يزور منزلا يضم اشباحهم فالفندق الذي دارت فيه الأحداث مازال قائما في شارع غرونيل اما الأحداث التي جرت فيه فقد ضمها كتاب بولتانسكي ...
وكانت لجنة تحكيم جائزة فيمينا قد اختارت رواية (المخبأ ) الصادرة عن دار (ستوك ) باعتبارها رواية ذاتية مؤثرة لبنائها على موضوع مبتكر ، فالكاتب يؤرخ لمرحلة قريبة وفي نفس الوقت يتناول تاريخ الأسرة اذ يحكي فيها عن جده عالم الاجتماع والشاعر لوك بولتانسكي وعن أخويه الفنان كريستيان وعالم اللغة جون كما يقدم صورة عن علاقات اسرة فرنسية في مختلف الظروف ..
وعن اعلان فوزه ، قال بولتانسكي انه متأثر جدا لحديثه عن عائلته وعن جدته الروائية فقد عاشت اسرته في عزلة بعد الحرب العالمية الثانية وكان افرادها يتكدسون في قصرهم ورغم الخوف المحيط بهم كانوا يحلمون برسم عالم ينعم بالحرية والفرح ..
وتعد جائزة فيمينا من اعرق الجوائز الادبية الفرنسية وكانت لهذا العام من نصيب كريستوف بولتانسكي المحرر في جريدة (ليبراسيون ) ونائب رئيس قسم السياسة الخارجية وسبق ان ألف كتاب ( الحيوات السبعة لياسر عرفات ) المنشور عام 1997 كما كان له عمل مشترك مع زميله يريك ايشيمان بعنوان ( شيراك العرب ) الذي ناقش فيه المؤلفان سياسة فرنسا العربية .اما جائزة فيمينا لاحسن رواية اجنبية فقد كانت من نصيب الاسكتلندية كيري هيدسون عن روايتها (لون الماء ) الصادرة عن دار (فيليب راي ) للنشر ..ومن المعروف ان لجنة تحكيم هذا الجائزة متكونة من النساء حصرا.