"الوقاية خير من العلاج" شعار يعود تاريخه الى العصور السومرية . العراقيون القدامى اول شعوب الارض طبقوه ، ومنحوه الى الاقوام الاخرى . في الزمن السومري كان الكهنة يمارسون مهنة الطب، يقدمون خدماتهم للجميع بدءا من الحاكم الى شخص يقبع في الدرك الاسفل من طبقة العبيد ، يعمل في طلاء القوارب بالقير بمعنى "كيار" ، هو الاخر مشمول بالرعاية الصحية المجانية ، علاجه لا يتعدى استخدام بعض الاعشاب ،وبمباركة الآلهة يكتسب الشفاء التام . اما الحالات المستعصية المتعلقة بالامراض النفسية فتحتاج الى جلسات في المعبد تحت اشراف احد الكهنة ، بمباركة الإله ، ربما يتحقق التحسن في حالة المريض ، وحين يرافقه سوء الحظ يدفن في العالم السفلي ، ثم يصدر المعبد بيان تعزية برقيم طيني بكتابة مسمارية يحتوي اسم المرحوم وعمله وسبب الوفاة.
اعتادت وزارة الصحة منذ سنوات طوال على اصدار ارشادات وتوجيه نصائح في مواسم تسجيل اصابات بامراض مختلفة ، تندرج ضمن شعار "الوقاية خير من العلاج" ، في بعض الاحيان تسخّر وسائل الاعلام للمشاركة في حملة التوعية الصحية ببث مشاهد مصورة ساذجة تكلف الوزارة مبالغ طائلة تصرف على اجور الاعلان وانتاجه ،لاتتوفر فيه مقومات فنية تقنع المشاهدين بالتوجه الى اقرب مركز صحي للحصول على لقاح ضد الكوليرا .
بيانات وزارة الصحة والبيئة بعنوانها الرسمي الجديد لم تصدر احصائية عن عدد العراقيين المصابين بامراض نفسية ، فيما اكدت وجود نقص كبير في عدد الاطباء المتخصصين بمعالجة الامراض النفسية ، اما مستشفى الشماعية (الرشاد حاليا) فهو الوحيد في العراق المختص بمعالجة من يعاني الاصابة بامراض عقلية .
طبقا لتقارير منظمات صحية دولية فان معدلات الاصابة بالامراض العقلية والنفسية تكون في المناطق المضطربة امنيا وسياسيا ، الدول العربية بوصفها مضطربة على الدوام سياسيا وامنيا واقتصاديا ، شهدت ارتفاع نسبة الاصابة بالامراض العقلية والنفسية ، ترافق ذلك قلة عدد الاطباء المختصين . في العراق ، كانت للراحل جاكي عبود عيادته في ساحة حافظ القاضي يستقبل فيها يوميا عشرات المراجعين بينهم مسؤولون وساسة وتجار ، اما اليوم فمراجعة عيادة الطبيب النفسي توحي ان المريض اصبح مرشحا لدخول مستشفى الشماعية ،لا امل في شفائه سواء تناول العلاج الكيمياوي او الاعشاب ، او خضع لجلسات خبير يستطيع طرد الجن من جسد المريض .
في اربعينات وخمسينات القرن الماضي كان دخول احد وزراء الحكومة الى عيادة جاكي عبود يمنح الجريدة اليومية خبرا يتصدر الصفحة الاولى بمانشيت عريض على ثمانية اعمدة ، الخبر يعطي اشارة واضحة الى ان صاحب المعالي استحق الدخول الى الشماعية ، ولابد من بحث عن بديل يشغل منصبه ، حفاظا على سمعة الكابينة الوزارية .
في ضوء معايير المنظمات الدولية المتعلقة بارتفاع نسبة الاصابة بالامراض العقلية والنفسية في مناطق الاضطراب ، ليس من المستبعد اطلاقا ان يكون اصحاب المعالي في العراق ودول المناطقة بحاجة الى مراجعة طبيب نفساني بمستوى وخبرة الراحل جاكي عبود .
شمّاعية 5 نجوم
[post-views]
نشر في: 13 ديسمبر, 2015: 09:01 م