من الأشياء العجيبة في بلادنا، وما أكثرها!، أن بعض المسؤولين الحكوميين يُلحف، على نحو عجيب هو الآخر، في القول إن دولتنا تشهد عملية إصلاح تعهدت بها الحكومة ومعها مجلس النواب منذ آب الماضي.
بالطبع هؤلاء المسؤولون الحكوميون لا ينسون الحرص على القول إن هذا الاصلاح جارٍ استجابة لمطالب الشعب الذي خرج في مظاهرات عارمة منذ نحو خمسة أشهر ولمطالب المرجعية الدينية العليا في النجف المؤيدة للحركة الإحتجاجية..
لكن أين هو الاصلاح الذي يتحدث عنه هؤلاء المسؤولون؟ ما شكله؟ ما لونه؟ ما مذاقه؟ ما رائحته؟ ما موقعه على خارطة الدولة؟ ... تسأل فيأتيك الجواب دائماً أنه جرى إلغاء بعض المناصب العليا في الدولة وتقليص بعض الامتيازات المالية لطبقة كبار المسؤولين.، والحال أن إلغاء المناصب ليست حالاً نهائية، فاثنان من نواب رئيس الجمهورية قد طعنا في دستورية الاجراء، ومن الواضح أن المحكمة الاتحادية في سبيلها للقبول بهذا الطعن بعدما ردّت دعوى النائب الرئاسي السابق أسامة النجفي شكلاً، أي أنه يمكن لها القبول بالطعن إذا ما استوفى الشروط الشكلية المطلوبة، وهو أمر بسهولة شرب الماء.
وحتى لو لم تأخذ المحكمة العليا بالطعن فإن عملية إلغاء مناصب وتقليص امتيازات تندرج في خانة الاجراءات التقشفية التي ستستكمل باستقطاع ما نسبته 3 بالمئة من رواتب الموظفين والحدّ من مصروفات الوزارات والدوائر.
أمس بثّت وكالة رويترز الدولية الرصينة تقريراً عن حال نظام الرعاية الصحية في البلاد بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على الإعلان عن الحُزَم الاصلاحية الحكومية والبرلمانية، خلصت فيه إلى أنه "لا توجد علامة تُذكر على التحسّن في أحد القطاعات الرئيسة وهو قطاع الرعاية الصحية" الذي كان "في وقت من الأوقات من أفضل النظم في الشرق الأوسط"، وهي تعني بالطبع، وهذا أمر مؤسف وموجع للغاية، وقت حكم حزب البعث في عقد السبعينيات تحديداً. وتضمّن التقرير إشارة إلى رأي منظمة الصحة العالمية في نظامنا الصحي الحالي، فهي ترى إن "نظام الصحة العامة ومرافق الصرف في العراق تتهاوى".
رويترز رأت أن تعثر عملية الإصلاح يرجع في جانب منه إلى ما يواجهه رئيس الوزراء حيدر العبادي من "مقاومة من أعضاء البرلمان المشاكسين الأمر الذي يعني أن عليه تحقيق توافق سياسي قبل أن يتمكن من مواصلة السير في أي إصلاحات".
بالطبع هذا جانب من القضية لكنه ليس الجانب الأهم، فمشاكسة البرلمانيين وسواهم من المتنفذين في الدولة لرئيس الوزراء ترجع الى معارضتهم أي عملية للإصلاح الحقيقي، ذلك أن اصلاحاً من هذا النوع يتطلب إلغاء نظام المحاصصة ويستلزم مكافحة الفساد الاداري والمالي. لذا فان من يريد إقناعنا بوجود عملية إصلاح عليه أن يكفّ عن الحديث الممل بخصوص إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء وسواها من الاجراءات التقشفية التي سيتعيّن على الحكومة اتخاذ المزيد منها لأننا مهددون بخواء ميزانية الدولة تماماً في غضون أشهر قليلة ما لم تحدث معجزة .. عليه أن يكفّ عن هذا الكلام وأن يحدّثنا في المقابل عن الإجراءات المتعلقة بإلغاء نظام المحاصصة ومكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين واستعادة مئات مليارات الدولارات التي نهبوها.. بخلاف هذا هو حديث يزيد من صداع الرؤوس.
من يدلّنا على الإصلاح؟
[post-views]
نشر في: 15 ديسمبر, 2015: 09:01 م