لو كنّا، ومعنا المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والحكومات المهتمة بهذه الحقوق، قد أخذنا على محمل الجدّ ما كان يردّ به نظام صدام حسين على التقارير الدورية لتلك الجهات بشأن الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان في ذلك العهد، لكان علينا أن نكفّ عن معارضة صدام ونظامه وأن نحقق له ما كان يريد، وهو العودة إليه بوصفنا "أبناء ضالين".
المتحدثون باسم نظام صدام في الداخل والخارج كانوا ينفون على الفور كل ما يرد في تلك التقارير جملة وتفصيلاً. نظام صدام انتهى منذ دهر، لكنّ الكثير من تقاليده وممارساته انتقلت إلى النظام الحالي كما الأمراض المعدية، فما من مرة صدر فيها تقرير عن جوانب ضعف وقصور وانتهاك للحقوق في العراق إلا وبادر الناطقون باسم نظامنا الجديد إلى النفي والاستنكار. آخر مثال على هذا ما جاء في تصريحات رئيس لجنة المتابعة والرد على التقارير الدولية في حكومة إقليم كردستان، ديندار زيباري، رداً على تقرير لوزارة الخارجية الأميركية بشأن أوضاع حقوق الإنسان في الإقليم، تحدّث عن وجود سجون سرية وتجارة مع تنظيم داعش الإرهابي وأوضاع غير حميدة للسجناء والنازحين والنساء.
السيد زيباري اختار أن يردّ بالقول أن تقرير الخارجية الأميركية جاء في وقت توفّر فيه حكومة الإقليم منذ سنتين مستلزمات العيش لأكثر من مليون و700 ألف نازح على الرغم من أنها تمرّ بأزمة مالية، مشيراً الى بناء عدد من السجون الجديدة - لاستيعاب المعتقلين - تتوافر على الأسس المقبولة دولياً، والى ان التعذيب ممنوع وفق القانون في الاقليم وان عدة لجان قد شكلت لمراجعة هذه المسألة وحوسب عدد من الأشخاص بسببها، نافياً وجود سجون سرية.
في الدول المتحضرة التي لا تُعدم هي أيضاً وجود اتهامات بحصول انتهاكات لحقوق الإنسان إن من الدولة أو المجتمع، لا تعمل السلطات المعنية بالآلية التي كان يعمل بها نظام صدام وأورثها خلفاءه، بمن فيهم حكومة إقليم كردستان .. في تلك الدول لا تبادر السلطات إلى النفي والاستنكار والدفاع عمّا لا يمكن ولا يصحّ الدفاع عنه .. إنها تصرّح بالقول أنها ستأخذ مأخذ الجدّ ما يرد في التقارير وستحقق في الأمر. وبالفعل يجري التحقيق على نحو جدّي وشفاف، ثم تُعلن النتائج، ويترك المسؤولون الوقائع تتحدث عن نفسها من دون حماسة مفرطة كما يفعل المسؤولون في دولتنا، من أمثال السيد زيباري الذي عليه أن يعرف أننا، وليس فقط الخارجية الأميركية، نعرف أن في الإقليم ممارسات تنتهك حقوق الإنسان وحرية التعبير، وأن في الإقليم فساداً إدارياً ومالياً، وأن في الإقليم تقصيراً في الأداء الحكومي، وسوى ذلك من الأمراض والعلل المصابة بها دولتنا العراقية ونظامنا السياسي. وعليه فان الموقف السليم الذي فيه صالح الإقليم وشعب الإقليم وصالح عموم العراق وشعبه، هو التحقيق بشفافية في ما يرد في تقارير المنظمات والهيئات الدولية والوطنية وترك الوقائع تتحدث عن نفسها.
نعم، على السيد زيباري أن يعلم أننا نعلم بأن الإقليم ليس جزيرة معزولة عن محيطها العراقي المُتخم بكل ما لا يلذّ ولا يطيب.
الإقليم ليس جزيرة معزولة
[post-views]
نشر في: 16 ديسمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ييلماز جاويد
نعم ندين كل إعتداء على حقوق الإنسان أينما ومن أية جهة يقع ، ونؤيّد كوننا نعرف ما يجري في كردستان من فساد مالي أو إداري أو تهميش الآخرين . ولكني لا أؤيّد الأستاذ عدنان في تسفيه عملية الرد على التقرير وإفراغها من بعض الإيجابيات التي تضمنها ، بالإضافة إلى ا