احتارت شرطة مدينة هورن الهولندية في عملية السرقة التي وقعت في متحف ويست فريس. كيف دخل اللص وقضى ليلته هناك دون أية صعوبات أو مشاكل، كيف نزع اللوحات وفصلها عن اطاراتها بكل هدوء وبطريقة متأنية جداً، من أين جاءته برودة الأعصاب هذه؟ يبدو أنه كان يشعر وكأنه في بيته تماماً وهو يقضي الليل كله داخل المتحف! وقد اختار بكل دراية وعناية مع تخطيط واضح، أربعة وعشرين لوحة مهمة لأساتذة الرسم الهولندي في القرن السابع عشر والثامن عشر اضافة الى سبعين قطعة فضية نادرة تشكل أهم محتويات وتحف هذا المتحف الذي يقع في غرب هولندا. هكذا وبكل بساطة جمع اللص المحترف كل هذه المحتويات بخفة ووضعها داخل سيارته المركونة جانباً وفرَّ الى مكان مجهول.
بعد معاينة كل جوانب المتحف بشكل جيد من قبل مختصين بالسرقات، ورؤية كل التفاصيل،اتضح أن اللص ،وفي غفلة من الحراس، قد قام باختيار تابوت قديم معروض هناك ليختبئ بداخله ويتمدد بهدوء ثم يضع الغطاء فوقه وينتظر انتهاء الدوام الرسمي للمتحف حيث خرج كل الزائرين والموظفين ومن له علاقة بالمكان، ليخرج هو في المساء وحيداً، سعيداً يحتفل بسرقته الكبيرة. وحسب تقديرات الشرطة فقد قضى هذا اللص 12 ساعة داخل المتحف بعد أن ارتدى قناعاً، تجنباً لكامرات الرقابة، حيث قام بفعلته الكبيرة وخرج محمَّلاً بكل هذه الكنوز. استمر البحث طويلاً عن هذه التحف المسروقة ولم يعثر أحد على أي خيط أو دليل يقود الى معلومات تشير الى مكانها، حتى جاءت اللحظة التي شاهد فيها أحد الأشخاص بعض هذه اللوحات وهي معلقة في أحد الأماكن المهمة التي تعود الى الحكومة الأوكرانية شرقي البلاد قرب الحدود الروسية. وهنا قامت الدنيا ولم تقعد في وسائل الإعلام الهولندية وبدأت المناشدات والمطالب الفورية كي تعود هذه الأعمال الفنية المهمة الى مكانها الذي سرقت منه. وقد تطور الموقف حين أعلنت الجهة التي لديها هذه المسروقات بأنها قد تسلمتها مقابل بعض الأسلحة التي أعطتها للأشخاص الذين كانت بحوزتهم هذه التحف الفنية! هكذا بقيت الأوساط الفنية والسياسية الهولندية في حيرة واستياء، صاحب ذلك التصعيد تحقيقات تلفزيونية وصحفية تُظهر قاعات المتحف الفارغة إلا من اطارات اللوحات المسروقة المركونة على الجدران أو الموضوعة على الأرض بطريقة مؤلمة. رافقت ذلك دعوات واضحة لعودة الأعمال التي اختفت في ليلة حالكة وذهبت بعيداً، يحملها لص غريب، مقابل تعليقات غير واضحىة المعالم من الجانب الأوكراني الذي لا يعرف المختصون بشكل دقيق كيف وصلته اللوحات، وهل كان ذلك لصاً عادياً باع اللوحات هناك؟ أم كانت السرقة مخططاً لها من قبل جهة معينة وهي التي كلفت اللص بذلك؟ الأيام القريبة القادمة ستكشف الكثير حول هذا الموضوع، والجميع بانتظار عودة الأعمال الرائعة التي من ضمنها لوحات فنانين كبار مثل فلورس فان سخوتن وياكوب خابن وستيفن فان دويفن وماتايس وتهوس وغيرهم الكثيرون. وقد قُدر ثمن اللوحات بخمسين مليون يورو والتحف الفضية المنقوشة بعناية كبيرة بعشرة ملايين يورو.
لا أعرف كيف تعيدني أحداثاً مثل هذه، الى عمليات السرقة التي طالت متحفنا العراقي وأغلب آثارنا وتحف بلادنا، كنوزنا التي ذهبت بعيداً الى أماكن مجهولة لا نعرفها، لقد دخل اللصوص الى بيتنا من كل جانب وبدأت محتويات المتحف العراقي بالتساقط مع الأسف بين أصابعهم وأمام أقنعتهم المظلمة مثل قلوبهم السوداء التي كسرت الجدران لتعبر حدودنا وتعيث بالإبداع العراقي تخريباً مدبراً ومقصوداً ومروعاً. وإن كنت متأكداً بأن التحف الهولندية ستعود عاجلاَ أم آجلاً الى مكانها الطبيعي، فأنا ومثلي الكثيرون، غير متأكدين بأن أعيننا ستقع مرة أخرى على لُقانا وتحفنا، هذه التحف التي ذهبت في هجمة الظلام التي دمَّرت أشياء جميلة ورائعة في البلد.
يختبئ في تابوت، كي يسرق المتحف
[post-views]
نشر في: 18 ديسمبر, 2015: 09:01 م