TOP

جريدة المدى > عام > الشاعر الفلسطيني "موسى حوامدة" لـ(المدى): وحده الشاعر يحمل عكّازه فوق الغيوم في اتجاه مختلف

الشاعر الفلسطيني "موسى حوامدة" لـ(المدى): وحده الشاعر يحمل عكّازه فوق الغيوم في اتجاه مختلف

نشر في: 20 ديسمبر, 2015: 09:01 م

شاعر تملكته القصيدة ، فتارة تحلق به عالياً بين النجوم ، وتارة أخرى تقذف به في غياهب السجن وظلمة المعتقلات ، وهو كما هو ، عاشق لقصيدته ، معانق لآفاقها الرحبة ، غير عابئ برزاياها العابرة وتبعاتها الممتحنة ، وكيف لا ، وهو الشاعر الذي آلى على نفسه التحلي

شاعر تملكته القصيدة ، فتارة تحلق به عالياً بين النجوم ، وتارة أخرى تقذف به في غياهب السجن وظلمة المعتقلات ، وهو كما هو ، عاشق لقصيدته ، معانق لآفاقها الرحبة ، غير عابئ برزاياها العابرة وتبعاتها الممتحنة ، وكيف لا ، وهو الشاعر الذي آلى على نفسه التحليق في بحور الحروف والمعاني بلا حسيب ولا رقيب من أولئك المنتسبين افتراء إلى مهنة الأدب والكتابة ، أو ممن نذروا أنفسهم لتصيّد الكلمات والمعاني المراوغة ، لإثبات جرم ليس بجرم ، وخطأ أبعد ما يكون عن الخطأ ، تقرباً للجاه والسلطان ، وحسبة لثمن بخس لوثته النوايا السيئة والوشايات الدنيئة ؛ فقد عاش الشاعر الفلسطيني " موسى حوامدة " للشعر والقصيدة حراً بهما ومعهما ، ولم يكن ما تعرض له من محن المطاردة والسجن والتشريد ، ليثنيه عن براح الكتابة وعنفوان الوجدان الصادق تجاه ما يؤمن به ، من قناعات الحياة ، وهواجس الموت .. شاعر خلق ليكتب ، وتأمل ليصف ، وحلّق ليكتشف ويحكي ويتفاعل .. " المدى " حاورته في القصيدة والشعر والرواية والنخبة المثقفة وتداعيات الربيع العربي شعراً ونثراً وثقافة ، وسألته عن صدام المبدع مع النصوص المقدسة ، وعن أهداف الأدب وجماهيرية الأديب .. " حوامدة " من مواليد " السموع " بجنوب الخليل عام 1959 ، وهو خريج كلية الآداب بالجامعة الأردنية ، وله العديد من المجموعات الشعرية ؛ منها : شغب ، شجري أعلى ، من جهة البحر ، سلالتي الريح وعنواني المطر ، موتى يجرون السماء ، أٍفار موسى العهد الأخير ، وغيرها ، وقد حصل على جوائز شعرية عدة منها جائزتا أورياني ولابلوم الفرنسيتين ، وجائزة المهاجر الاسترالية للشعر .. ترجمت قصائده للغات عالمية عدة ، ومعه كان هذا الحوار .
* بداية دعني أسألك عن "الغرض الشعري" بين قصيدة الأمس وقصيدة اليوم .. كيف تراه؟
- اختلف الغرض الشعري بين قصيدة الأمس وقصيدة اليوم، وهذا أمر محمود؛ فبعيداً عن أغراض الشعرالقديمة كالفخر والمديح والهجاء والتشبيب وصناعة الألفيات والتخميس والتشطير والتسديس ، أصبحت القصيدة اليوم حالة شعرية، حالة ميتافيزيقية يبثها الشاعر إلى متلقيه، وتتحول القصيدة إلى شحنة شعورية بين الشاعر والقارئ، أو إلى صورة شعورية يبثها الشاعر لنفسه، ويطلع عليها القارئ، تبدل غرض القصيدة وغرض الشاعر، وهذا أشبه بانقلاب أو ثورة حقيقية على جوهر وتاريخ الشعر العربي، صحيح أن الكثيرين ما زالوا يرفضونها، لكن التحول قادم في الذائقة العربية الواسعة، والتي ستعاند طويلاً ولكنها ستتحول تدريجياً .
* إذا كان شاعر اليوم يمثل "حالة ميتافيزيقية" معبرة عن ذاتها .. فهل يعني ذلك صدعاً ما في العلاقة بين الشعر وبين المتلقي؟
- الصدع موجود قبل ذلك، هناك من يعتبر الشعر شططاً وغواية وكفراً، وهناك من يرى أن الشعر نبت شيطاني، خارج على ثقافتنا وديننا وحياتنا، وقد ازداد الصدع اليوم بسبب التطور والثورة التي حدثت في غرض القصيدة ، والصدع الحاصل اليوم ليس شيئا سيئا، كان لا بد منه فالعقلية التقليدية تقاوم التغيير، وتريد أن يظل الشاعر متاحاً ومخترقاً وانتهازيا ، وحين شعر المجتمع أن الشاعر بدأ يأخذ مداره العالي، ومكانته اللائقة، خشيه، فشتمه، وابتعد عنه. وهو ابتعاد حميد، وليس نفور الجمهور من القصيدة الحديثة بالأمر المستهجن، بل يؤكد جدية وحداثة القصيدة الجديدة.
* يرى البعض أن إفراغ القصيدة الحديثة من ملامح الواقعية هو نوع من العجز الشعري تجاه القدرة على تثوير قضايانا الملحة وتحريكها بالشعر ... ما ردك؟
- مهمة الشعر تتعدى ذلك لما هو أعمق، وقضايانا الملحة هذه، مهمة المجتمع كله، وليست قيدا على القصيدة، نرمي بها في سلال العدم، إن لم تُصغْ كما نريد، وإن لم يقل الشاعر ما نشاء. القضايا الملحة كتبت فيها أطنان من الشعر والأدب، دون فائدة، فمعنى ذلك؛ إما أنها قضايا سطحية، أو أن طريقة تناولنا لها مغلوطة.
* كيف تفسر التناقض القائم بين قوة اللغة العربية أمام غيرها من اللغات، وبين تراجع هذه اللغة عربياً وعالمياً؟
- قوة اللغة وغناها ورقيها ليست بديلا عن عجز الناطقين بها، من قال إن اللغات الحية حية لأنها مدهشة وغنية وقابلة للتطور فقط، إن اللغة الإيطالية مثلا أجمل شعريا وموسيقياً من الإنجليزية، فهي ليست لغة شعرية، مثل الإيطالية أو حتى الفرنسية، ومع ذلك وصلت للعالم كله، هناك فرق بين اللغة نفسها، وبين عدد المتحدثين بها، أو مدى وأسباب انتشارها، ربما خدم بعض المستشرقين اللغة العربية أكثر من أبنائها، فهناك كثيرون من أبنائها تخلوا عنها، وذهبوا للكتابة بلغات ثانية، بحجة الوصول للعالمية. وهناك تراجع في الاهتمام بها، حتى في البلدان العربية، وفي مناهج وبرامج التعليم والإعلام، فهل تتحمل هي وزر هذه الخيانة والتقصير؟
* كم من شعراء العرب اليوم يستحقون الطرد من مدينة أفلاطون الفاضلة؟ وما ملامح شعرهم من وجهة نظرك؟
- كثيرون، بل كثيرون جداً، أخضعهم لحوارات حقيقية وسترى، فتش عن نثرهم وستعرف، فالشاعر الذي لا يجيد كتابة النثر ليس شاعراً، أما ملامح شعرهم فهم بلا ملامح، وحين لا تجد في شعرهم هذه الملامح الخاصة بهم، فهم من نعني، وحين تجد شعراء آخرين كثراً، في شعرهم فهم من نقصد، وحده الشاعر من يحمل عكّازه بعيدا فوق الغيوم ويسير في اتجاه مختلف، حتى لو أدى به الطريق إلى التهلكة والسقوط صريعا، أو التحليق قريباً من مدارات النجوم. أما من يسير في ظلال الحيطان، ويتوكأ على فتات غيره، فهو المقلد الذي طرده أفلاطون من مدينته، علما أن افلاطون لم يجرؤ على كراهيته للشعر والشعراء، أن يطرد الشعراء الأصيلين من مدينته، بل طرد المُقلِّدين للشعراء.
* كشاعر فلسطيني تؤرقه وطنيته هل تؤمن بديمومة فكرة القومية العربية؟
- ما دامت اللغة العربية حية ومنتشرة، فستظل فكرة القومية العربية حية، ولهذا فإن استمرار الكتابة بهذه اللغة، وخاصة كتابة الشعر، في كافة أقطار الوطن العربي، يعني بقاء هذه اللغة-الأمة حية، ليس هذا خطابا قوميا إنشائيا، القومية هي لغة قبل كل شيء، انظر إلى كل العالم، كل لغة تجمع أبناءها في كيان واحد، ولكن لا شبيه لنا في العالم كله، أمة تتحدث لغة واحدة، ومقسومة إلى أكثر من عشرين كياناً سياسيا ! على كل أنت ترى الآن؛ ألّا شيء يجمع العرب اليوم سوى ثقافتهم ولغتهم، وكل ما عدا ذلك، يمعن في التجزئة.
* بعض قصائدك تنم عن انشغال وجودي بفكرة " الموت " .. ترى ما سر الإلحاح الشعوري لهذه الفكرة لديك؟
- لا أعلم ربما العمر، ربما الخوف، ربما كثرة الخسارات، وربما الإحساس بالهزيمة، أو الشعور بالخذلان، لكن انظر هنا كل شيء حي يموت، كل أب وأم جميلين يموتان، وربما يموتان في توقيت واحد، كما حدث معي، وهذا ليس صدفة. الموت هو السؤال الأزلي، هناك من يبحث عن الخلود، ومن يسأل عنه، ومع ذلك أسخر من هذه الفكرة، لكني أتساءل: ما هو الموت؟ وأين يذهب الموتى؟ أحاول أن أتخلص من الموضوع بكل الطرق، ولكنه يظل واقفاً أمام عينيّ كسؤال مصيري، وحينما أكتب، ينبثق من نور الحروف، ورحم القصيدة، ويظل ملحّاً وحاضراً، رغم أنني وبعد مجموعتين تناولتا هذا الأمر، ما زالت الكتابة تراوح مكانها، في تناول هذا المصير البشري المخيف. أحاول أن أخرج منه بذور النهار، وجداول الماء، أحاول أن أصنع حياة فيه، وأمشي مع موتاي حتى الفجر، لعلي أراهم أحياء، هناك، أو يرونني حياً بينهم.
* بم تفسر تكرار اتهامك بانتهاك الشعور الديني؟ وهل ثبتت يوماً في حقك تهمة الردة الدينية؟
- هذه صفحة طويت، وقد آليت ألا أثيرها مجدداً، وعموماً لست ممن يريدون التطاول على نص ديني، ولم يكن ذلك في هاجسي أساساً ، و لم تثبت المحكمة الشرعية خلال أكثر من ستين جلسة وثلاث محاكم شرعية في عدة مراحل، تهمة الردة ضدي، نعم صادروا المجموعة الشعرية، وحولوها للمدعي العام ولمحكمة الجزاء، بعد أن برأتني المحكمة الشرعية، ونلت على قصيدة مختلفة من المجموعة ثلاثة أشهر حبس، وحتى هذه التهمة لم تكن صحيحة، وهي تهمة سياسية، ولكن كل ذلك، وتلك الأحداث التي استمرت أربع سنوات، لم تأسرني، تجاوزت الأمر برمته، ليس تجاوزاً سطحياً، بل حتى في الكتابة، ومن يريد أن يتهم فليتهم، فنحن في مجتمع، توفر قوانينه وأعرافه وتقاليده، فرصة لكي يوجه الجهلة وبعض الأجهزة الأمنية تهماً، وأن تصغي لهم المحاكم وتطبق، وتنشر ما تريد من تهم، قبل ثبوتها، ببساطة هذه المجتمعات لا تؤمن بحرية الإبداع، ولا حرية الثقافة، ولا يصدقون الأدب، ولا يحترمون الشعر، إلا إذا كان مديحاً للحكام والأثرياء، أو شعراً يداعب الغرائز الجنسية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

"كِينْزُو تَانْغَا"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5842-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

د. خالد السلطانيمعمار وأكاديميعندما يذكر اسم "كينزو تانغا" (1913 - 2005) Kenzō Tange، تحضر "العمارة اليابانية" مباشرة في الفكر وفي الذاكرة، فهذا المعمار المجدـ استطاع عبر عمل استمر عقوداً من السنين المثمرة ان يمنح العمارة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram